الإجهاض تجربة مريرة يمر منها جسد المرأة و ليس كما يظن الكثير من الناس، نزهة في فصل الربيع وسط جنان سهول سايس، أو هدية نمنحها لهن

جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( “الإجهاض ” ) 

بعضهن جعلتهن لحظات المتعة غير المشروعة يدخلن متاهة التخلص من ثمرة العلاقة الشائنة، والبعض الآخر سيدات متزوجات ينبذن فكرة الحمل بعد سن الأربعين، وآخريات اغتصبن و تم الإعتداء عليهن، تتعدد تجاربهن والأسباب التي فرضت عليهن الإنخراط في رحلات تبدأ بالحل التقليدى لتنتهي في سوق سوداء يتحكم فيها وسطاء غير اعتياديون ينشطون في إطار شبكات الإجهاض السري حيث تتحول بعض المصحات والعيادات الخفية إلى مسارح لعمليات جراحية غير قانونية، القائمين عليها .. أطباء .. وممرضين، و هذا الأمر ليس غريبا علينا نحن المغاربة، بالرغم من تعنت رجال الدين عندنا و تشبتهم بعدم الإجتهاد في تيسير الأمور، فقط لأن الأمر لا يمسهم في شيء لأنه يتعلق بالمرأة، بجسدها و حياتها، و كل ما يهم المرأة عندهم حرام إن كان يسعدها و حلال إن كان يشقيها….

الإجهاض موضوع لا يمكن مقاربته دينيا فقط، الإجهاض تجربة مريرة يمر منها جسد المرأة، و ليس، كما يظن الكثير من الناس، نزهة في فصل الربيع وسط جنان سهول سايس، أو هدية نمنحها للنساء، أو ربما جائزة نعطيها لحواء، الأمر ليس هكذا أيها الذكور، فلا توجد أنثى على وجه الأرض تطرح امكانية الإجهاض كحل أول، ليس هناك أنثى واحدة يمكن أن تستمتع بعملية الإجهاض، في الأصل كل أنثى توفر لها دولتها وضعا اقتصاديا مريحا، و يوفر لها مجتمعها حرية و حق الإحتفاظ بمولودها من عدمه.

هناك من يطرح رأيا يقول أنه يتوجب معالجة الأسباب، و في مرجعيته ما يقول عنه أنه زنا بالمنظور الديني، و الحقيقة أن وجهة النظر الدينية هذه، لا محل لها من الإعراب، ذلك أن البنت أو الولد، الرجل أو المرأة الذين يختاران عدم إقامة علاقة جنسية مبكرة قبل الزواج بدافع ديني، أو الزوجة التي تريد الإحتفاظ بالمولود بقناعة دينية مهما كانت أسباب الحمل، لهم ذلك، لكن على قلتهم، و قلة تأثيرهم، هم ليسوا موضوعنا اليوم.

الذين يطرحون حجابي عفتي، و نقابي خارج بيتي، كحلول لمشاكل الإجهاض، يطرحون حلول هلامية، نظرية، لا علاقة لها بضحايا الإجهاض السري، فهل من الضروري أن نذكرهم أن المحجبة تمارس الجنس، و المنقبة تمارسه أيضا؟ الحمل غير المرغوب فيه، يمكن أن تقع فيه أي أنثى مهما كان لباسها، و حتى لو كانت متزوجة حسب الشرع و القانون.

هناك نسبة في المجتمع تتزايد يوما بعد يوم، و لا يريد المشرع الإعتراف بها، و هي الفئة التي تمارس الجنس عن حب و بحثا عن المتعة، أي أنها تمارس الجنس لذاته، و لا تعير للدين وزنا كبيرا في نمط عيشها، و قد تجد البنت أو المرأة نفسها في هذه العلاقات، أمام حمل غير مرغوب فيه، هذا الأمر ليس شيئا أوتوماتيكيا، فليس كل من تمارس الجنس لا تحمي نفسها مسبقا من الحمل غير المرغوب فيه، لكن في حالات انعدام الوعي الذي يساهم فيه تعليمنا و إعلامنا، يجب على الدولة أن توفر أدوية تعفي من الوصول الى مرحلة الإجهاض، لأن الإجهاض حتى و لو تم السماح به، فكلفته النفسية و الإجتماعية و الإقتصادية شئ كبير و تحمله ليس بالشئ الهين.

لا أفهم كيف أنه و في القرن الواحد و العشرين، تلاميذ الباكالوريا في بلدي، يأخدون معلومات عن حياتهم الجنسية المستقبلية من المواقع الإباحية، مع أن الكثير من هذه المعلومات مغلوطة و غير صحية أيضا، وزارة التعليم يجب أن تقرر أن مادة التربية الجنسية في السلك الثانوي، قد حان وقتها، أقول التربية الجنسية، و ليس العلوم الطبيعية، أو صحة الأم و الطفل، على أهمية المادتين.

طبعا، في قضية التربية الجنسية التي ستساهم في نقص حالات الإجهاض، كما في قضية توفير المزود الآلي للعوازل الطبية، ليس فقط في الصيدليات، بل أيضا في الأسواق الممتازة و محطات البنزين على سبيل المثال لا الحصر، تنتصب تهمة التحريض على الفساد و التشجيع عليه، و هي تهمة من كثرة اجترارها في هذا العصر الحديث، أصبحت مبتذلة و لا تعني أي شئ.

الدولة المغربية تدافع عن حماية الحياة الخاصة للأفراد في الأمم المتحدة، و نفس الدولة غير قادرة على حماية مواطنيها اذا اختاروا حياتهم بعيدا عن أي قناعات دينية، بل نفس الدولة لا تريد ضمان حتى حرية المعتقد لمواطنيها.. يجب على من يسهرون على هذه السياسة العوجاء العرجاء، التي تدافع عن الشئ في الخارج، و نقيضه في الداخل.. أن تنتبه..

بعض أصحاب المرجعية الدينية، (و المرجعية الدينية مرجعيات كما نعلم، مختلفة، بل متناقضة في كثير من الأحيان، بين الماضي و الحاضر، بين الشرق و الغرب)، سيستمرون أوفياء لمنطق الدولة الدينية، لأنها هي هدفهم المستقبلي، و ليس فقط شيئا عرفه العالم في الماضي السحيق.
تجد الواحد منهم سعيدا بحكم الشرع عندما تخرج مريم من قريتها بعد موت والدها الذي بنى البيت بجهدها و عملها معه في الضيعة، و جلبها لصديقاتها ليعملن معها كمياومات بعد أن نجحت في توسيع مشروع أبيها بذكائها و كدها و حب المغربيات الفطري للعمل و (الشقا).

يموت الوالد، و يكون الإرث في أغلبه من نصيب الأخوين الذكرين (اللي كانو مقابلين للخمر و الكيف)، و تمنع البنت من نصيبها حتى لا يفتت الإرث.
هربا من الظلم، تعمل البنت خارج القرية خادمة، لأن أهلها لم يدخلوها مدرسة، احتراما لرأي الفقهاء في بداية القرن الماضي القائل بأن تعليم الفتاة بدعة و ضلالة، و بعد شهور من هذا العمل يغتصبها مشغلها، و لا تدري هي كيف تتعامل مع الأمر، فهل ترجع لظلم الأخوين، و شماتة القرية، أو تبقى مع ظلم صاحب البيت و حملها الذي ينجس أحشاءها كل يوم أكثر من الذي سبقه؟..

في كل هذه الحياة الحقيقية، و هي مثال من آلاف الأمثلة، الفقيه العالم في عليائه، إما مبارك للظلم، بحسن نية، أو بخوف على امتياز أو وضع اعتباري، و إما متدخل سلبي في مستقبل البنت الإقتصادي و التعليمي، بسكوته عن المظالم التي تنفذ باسم الشرع، و بفتواه القديمة بتحريم تعليم البنات، و بالتالي مساهمته في هشاشتهم المادية التي تدفعهم لكي يبيعوا لحمهم أو خبرتهم في غسل الملابس و غسل الأواني، في الواقع الذي تغير دون أن يتوفروا على أسلحته..

نفس هذا العالم أو الفقيه، الذي لا يريد أن يعرف مريم، و لا يستطيع تحمل ربع الذل و المهانة التي تجرعتها في حياتها التي تبدأ بالكاد، عندما تسأله عن الإجهاض في حالتها، هي المغتصبة من جميع النواحي و على كل الصعد، سيجيبك بكل راحة ضمير، أن الجنين لا ذنب له !!..

ألم أقل لكم أن العالم و الفقيه لا يريد أن يعرف مريم؟ لقد ذهب مباشرة إلى الجنين، فمريم لا تعنيه كحياة، هي غير موجودة، هو يرى حياة الجنين الذي لا وجود له.. حتى لا يرى.. مريم..
مشكلة المسلمين مع النساء، و على رأسهم علماؤهم، أو من هم في حكم العلماء، مشكلة حقيقية.. حتى لو أنكروا..

لا أريد الحديث عن حالات الإجهاض التي لن يكون هناك خلاف كبير حولها، و هي الحالات التي ذكرها المسؤولون ببلادنا عن الصحة، لكنني مقتنعة أن الدولة ستواجه حالات إجهاض أقل لو اهتمت بالتربية الجنسية و بتوفير وسائل ممارسة الجنس الآمن و بالدفاع عن مبدأ أساسي، و هو أن الأم، سواء كانت متزوجة أو ليس بعد، مكانها ليس السجن قطعا، سواء أجهضت أو احتفظت بشجاعة لا يمتلكها الكثير من الذكور بمولودها، خصوصا وسط هذا المجتمع الذي لا يريد أن يتخلص من خوفه، و تسلطه الناتج عن ضعفه، لا عن قوته..

و يقيني أن الإجهاض سيبقى آخر الحلول، لو وفرت الدولة لمجتمعها، و لنساء مجتمعها الحلول الأولية الحقيقية، في مزيد من الحماية القانونية و الصحية للأم العازبة، و الحماية القانونية و الإقتصادية اللازمة للأطفال الذين يختفي أباؤهم فجأة بكل جبن، ليظهروا وراء الحواسيب أو في المقاهي لينددوا بالسماح للنساء بحرية الإجهاض، بكل شجاعة..

نفس الشجاعة التي يمتلكها صاحب تحرير الفروج و تعطيل الأرحام، كما لو أن نتيجة الأرحام المشتغلة في عالمنا الإسلامي منذ قرون.. “عملنا بها الطّايلة”..

أصدقائي..
إننا فعلا نشير إلى القمر..
فكفوا اذن.. عن مشاهدة الأصبع. ..

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر