توجُهات ومضامين مشروع قانون المالية لسنة 2017
جريدة طنجة – صباح ياسين (مشروع قانون المالية 2017 )
يندرج إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2017، في سياق مضطرب يحبل بالعديد من التحديات والتساؤلات ويتسم بوتيرة انتعاش ضعيفة وهشة، فعلى الصعيد الوطني، نجد تباطُـؤ النمو الاقتصادي، ارتباطا بانخفاض القيمة المضافة الفلاحية، بسبب التراجع الحاد لمحصول الحبوب ب 70% مقارنة مع المحصول القياسي المسجل خلال الموسم الفلاحي لسنة 2015، وأيضا استمرار تباطؤ نمو القطاعات الغير الفلاحية رغم الأداء الجيد للمهن الجديدة للمغرب والتعافي التدريجي لقطاع البناء والأشغال العمومية. بالإضافة إلى استمرار تباطؤ نمو القروض رغم تحسن ظروف تمويل الاقتصاد الوطني وتحسن مؤشرات السيولة.
إضافة إلى ذلك، يأتي هذا المشروع، في ظل سياق عالمي مضطرب تطبعه التوترات الجيوستراتيجية وضعف النمو لدى الشركاء الأوروبيين الرئيسيين، لاسيما الانعكاسات المرتقبة لانسحاب انجلترا من منطقة اليورو. والظروف الناتجة عن السياسة النقدية الاستثنائية للولايات المتحدة الأمريكية. ولتجاوز هذه الظرفية الخاصة يسعى المغرب إلى تنويع الشركاء الاستراتيجيين بما في ذلك الدول الإفريقية ودول مجلس التعاون الخليجي، والانفتاح على فضاءات سياسية واقتصادية كبرى مثل روسيا والصين والهند.
وعلى الرغم من هذه الظرفية فإن مشروع قانون المالية لسنة 2017 يهدف إلى تحقيق نسبة نمو في حدود 4,5%، ونسبة عجز الميزانية في حدود 3%من الناتج الداخلي الخام، و350 دولار للطن كمتوسط سعر لغاز البوتان، ونسبة تضخم في حدود 1,7%.
وعلى ضوء هذه الفرضيات المعتمدة، يتوقع هذا المشروع، إيرادات مقدرة ب 217 مليار درهم مقابل 207 مليار درهم برسم سنة 2016، وهو ما يمثل زيادة قدرها 4,76%. وتأتي الضرائب المباشرة في مقدمة موارد ميزانية الدولة ب 41,18%، وستبلغ مداخيل الضرائب المباشرة 89 مليار درهم سنة 2017، أي بارتفاع بنسبة 4,5 % مقارنة مع توقعات قانون المالية لسنة 2016. وحسب نوعية هذه الضرائب، يتوقع أن ترتفع المداخيل المتعلقة بالضريبة على الشركات بنسبة 2,9 % لتصل إلى 45 مليار درهم، أي ما يعادل 4,2% من الناتج الداخلي الخام. أما بالنسبة لمداخيل الضريبة على الدخل، فتقدر بحوالي 40 مليار درهم، أي بزيادة 5,8 % مقارنة مع توقعات قانون المالية لسنة 2016، لتبلغ 3,8 % من الناتج الداخلي الخام. ويعزى هذا التطور إلى تحسن المداخيل المتأتية من الضريبة على الدخل المتعلقة بالأجور.
ومن المرتقب أن تصل المداخيل الإجمالية للضرائب غير المباشرة إلى 84 مليار درهم برسم سنة 2017، أي بارتفاع قدره 4,4 % مقارنة مع توقعات قانون المالية لسنة 2016. ويرجع ذلك إلى التطور الإيجابي لمداخيل الضريبة على القيمة المضافة، وكذلك الرسوم الداخلية على الاستهلاك.
كما رصد هذا المشروع 63 مليار درهم في إطار ميزانية الاستثمار العمومي الخاصة بالإدارة، مقابل 61 مليار درهم بالنسبة لسنة 2016، أي بارتفاع قدره 3,55%. وذلك ضمن 190 مليار درهم، كمجموع للاستثمارات العمومية وهي موزعة على المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية بنسبة 107 مليار درهم، والجماعات الترابية بنسبة 16 مليار درهم و الميزانية العامة بنسبة 67 مليار درهم.
وهكذا فإنه سيتم تخصيص مبلغ 8,9 مليار درهم لمخطط المغرب الأخضر، و3,7 مليار درهم، لمخطط التسريع الصناعي، و11,7 مليار درهم للطاقات المتجددة. وخصص المشروع الجديد 1,2 مليار درهم للطرق السيارة، و6 مليار درهم للسكك الحديدية، و1,5 مليار درهم للمطارات، وما يناهز 20 مليار درهم للموانئ.
وبالرغم من القيود المالية التي ميزت إعداد مشروع الميزانية 2017، تم تخصيص غلافا ماليا قدرت قيمته الإجمالية بـ 50 مليار درهم ، لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، كما رصد المشروع 3,8 مليار درهم للتعليم، و2,4 مليار درهم للصحة، و2,5 مليار درهم للسكن. و أيضا على إحداث 23 ألف و 768 منصب شغل.
و فيما يتعلق بنفقات التسيير تم تخصيص 182 مليار درهم مقابل 183 مليار درهم أي بانخفاض قدره 0,48%. في حين تقدر نفقات الدين بحوالي 27 مليار درهم، مسجلة تراجعا بنسبة 2,9 %، و يعزى هذا التراجع إلى تقلص نفقات فوائد الدين الداخلي بنسبة 2,2 %، و نفقات فوائد الدين الخارجي بنسبة 6,9 %. أما فيما يخص تحملات المقاصة، فمن المتوقع أن تبلغ 14 مليار درهم، أي ما يعادل 1,4% من الناتج الداخلي الخام، و ذلك على أساس سعر غاز البوتان يقدر ب 350 دولار للطن، و معدل سعر صرف قدره 9,8 درهم للدولار.
من جهةٍ أخرى، يتضمن مشروع قانون المالية لسنة2017 عدة اقتراحات وتدابير تشريعية منها:
-تنزيل القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية:
سيتم في إطار مشروع قانون المالية 2017 تفعيل التدابير المتعلقة بالقواعد المالية الجديدة الرامية إلى تعزيز نجاعة النفقة العمومية وتعزيز شفافية المالية العمومية والمقروئية الميزانياتية وكذا تقوية المراقبة البرلمانية على المالية العمومية.
-تفعيل مقاربة جديدة لتدبير المشاريع الاستثمارية العمومية:
تنبني هذه المقاربة على وضع معايير مضبوطة وموحدة لانتقاء هذه المشاريع وتتبع تنفيذها وتقييم آثارها. وترتبط هذه المعايير بالأساس بضرورة توفر هذه المشاريع على دراسات قبلية تحدد بشكل علمي ودقيق مردوديتها الاقتصادية والاجتماعية وكلفتها ومدة انجازها وآليات تمويلها. كما ترتبط مدى انسجام هذه المشاريع مع الاستراتيجيات القطاعية وتوفرها على آليات وهياكل التتبع وتقييم الإنجاز والأثر. وبناء على ذلك، سيتم إعداد بنك مندمج للمشاريع الاستثمارية تتضمن مصادر تمويلها وتوزيعها الجهوي وأثرها الاقتصادي والاجتماعي معززا بمؤشرات مرقمة.
-إجبارية الإقرار والأداء الالكترونيين للضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة
ابتداء من فاتح يناير 2017، وطبقا لمقتضيات البندين 155 و 169 من المدونة العامة للضرائب، يترتب على المقاولات ذات الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الإقرار والأداء الالكترونيين للضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة. ولا يخضع لهذا الالتزام، دافعوا الضرائب الملزمين بالضريبة على الدخل حسب نظام الربح التقديري.
-مواصلة تنزيل أسس الجهوية:
يعد تنزيل الجهوية المتقدمة الركيزة الأساسية لبلورة حكامة مؤسساتية فعالة وتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي متوازن. وسيتم ذلك عبر وضع مخطط استراتيجي للتحويل التدريجي للاختصاصات نحو الجهات، أخذا بعين الاعتبار آليات المواكبة خاصة على المستوى المالي والبشري، مع ضرورة مراعاة التوازنات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. وأيضا عبر التنزيل السريع للاتمركز الإداري، بما يضمن انسجام وفعالية تدخلات الدولة والجماعات الترابية، ويساهم في توطيد دينامية انبثاق الأقطاب الجهوية وجعلها قاطرة للتنمية الاقتصادية والإدماج الاجتماعي.
هذه أهم مضامين و توجهات مشروع قانون المالية لسنة 2017، ويبقى على الحكومة الجديدة تفعيل هذه المعطيات على أرض الواقع، لاسيما وأن الاقتصاد الوطني في حاجة إلى تحول حقيقي بجعله مستقلا تدريجيا عن تقلبات القطاع الفلاحي، وذلك عن طريق مواصلة تنفيذ مخطط التسريع الصناعي بالتركيز على إعادة هيكلة مختلف السلاسل الصناعية في نظم ناجعة مع تفعيلها. …