بنكيران وجماعته يتصرفون وكأنهم الشعب والوطن
جريدة طنجة – محمد العمراني (بنكيران وجماعته )
مرت ثلاث أشهر وما يزيد عن تكليف بنكيران بالبحث عن أغلبيته، ولا بصيص أمل يبدو في الأفق بقرب الحسم في التحالف الحكومي، الذي سيقود البلاد خلال الخمس سنوات المقبلة..
الكثير من الأصوات حاولت تحميل مسؤولية فشل بنيكران في إخراج حكومته إلى عزيز أخنوش، الزعيم الجديد للأحرار، وتقديمه على أنه الممثل الجديد للتحكم، وأن هناك مخطط موضوع سلفا لإفشال بنكيران، وحشره في الزاوية، وإجباره على إرجاع المفاتيح إلى صاحبها…
لكن، هل فعلا بنكيران لا يتحمل أي مسؤولية في تأزيم مشاورات تشكيل الحكومة؟..
دعونا نعود قليلا للوراء، ونسترجع بعضا من تصريحات بنكيران ومواقفه من جميع الأحزاب السياسية، التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية، وبعيد تعيينه من طرف ملك البلاد رئيسا للحكومة.
بنكيران وجه مدفعيته الثقيلة لجميع الأحزاب خلال الحملة الانتخابية، متهما إياهم بأقذع النعوت وأبشع الأوصاف، حتى جعل المواطن يخالهم مجرد عصابات تسعى للسيطرة على مقاليد الحكومة، ونهب خيرات الوطن، لدرجة أن بنكيران طالب الشعب في إحدى تجمعاته الانتخابية قبيل استحقاق 7 أكتوبر بأن يمنحه المرتبة الأولى “وخليوني مني ليهوم”، وكأنهم مجموعة من “الباندية”، وهم الذين يلهث وراءهم اليوم مستجدا التحالف معهم!!!…
يوم السابع من أكتوبر أصر بنيكران، رئيس الحكومة، والأمين العام للعدالة والتنمية، رفقة ووزيره في العدل والقيادي في حزبه، على الإعلان عن نتائج الانتخابات واستباق وزارة الداخلية، في رسالة تشكيك واضحة منه في حرص مؤسسات الدولة على ضمان نزاهة النتائج…
وبعد تعيينه رئيسا للحكومة تصرف وكأنه حائز على الأغلبية المطلقة، وليس في حاجة إلى أحزاب لاستكمال تحالفه الحكومي، بل إن بنكيران اعتقد أن نتائج الاقتراع وكأنه تفويض مطلق من الشعب، وما على الجميع، مؤسسات وأحزاب إلا الانصياع لأوامره…
بل وصل الأمر حد تشبيه مفاوضات تشكيل الحكومة، وكأن البلاد تحت سيطرة الاستعمار، وشعب العدالة والتنمية عليهم مقاومة مخطط الانقلاب على بنكيران سلطانهم الشرعي..
إن استعارة مصطفى الرميد لواقعة مؤلمة من تاريخ المغرب المعاصر، للتعبير عن وفائه و”بيعته” لعبد الإله بنكيران، برفضه التشبه ببنعرفة، في إحالة على المخطط الإنقلابي الذي قاده المستعمر الفرنسي ضد محمد الخامس السلطان الشرعي للمملكة الشريفة، لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، بقدر ما تستدعي التوقف عند رسائلها المضمرة، التي قصد الرميد، ومن ورائه حزب العدالة والتنمية، توجهيها لمن يهمه الأمر.
إن مصطفى الرميد، وهو وزير للعدل والحريات، والرجل القوي داخل حزب العدالة والتنمية، بإصراره على رفضه القيام بدور بنعرفة، فإنه لم يجد من تشبيه للوضعية المتأزمة التي وصلتها مشاورات تشكيل حكومة بنكيران غير استدعاء حقبة تاريخية حرجة اجتازها المغرب تحت نير الاستعمار، وكأن لسان حلاله يقول أن أي تشابه للوقائع ليس من قبيل الصدفة، بل هو من صميم الواقع المعاش.
دعونا نسترجع إذن ملابسات مؤامرة التنصيب الفاشلة ل “السلطان” الصوري بنعرفة، لنستقرئ من بين ثناياها الرسائل المشفرة لمصطفى الرميد.
بعد الخطاب التاريخي للملك محمد الخامس يوم 9 ابريل من سنة 1947، والذي أعلن فيه بوضوح عن رفضه للحماية، مؤكدا حق المغرب في نيل استقلاله وحريته، دخلت العلاقة بين السلطان محمد الخامس والمقيم العام الفرنسي مرحلة توتر شديدة، انتهت بنفي محمد الخامس، وتنفيذ مؤامرة خلع السلطان الشرعي بتواطؤ بين الباشوات والأعيان، بقيادة الباشا التهامي الكلاوي، من جهة والمقيم العام الفرنسي الجنرال كيوم من جهة ثانية، انتهت بتنصيب بنعرفة سلطانا صوريا على المملكة الشريفة، لكن سرعان ما أفشل الشعب المغربي المؤامرة، وعاد محمد الخامس مظفرا إلى عرشه.
إن رسائل الرميد لا تحتاج إلى كثير عناء لتفكيك شفراتها، فإذا كان السلطان الشرعي محمد الخامس يقابله السلطان الخائن بنعرفة، وإذا كان الرميد يرفض تقمص دور بنعرفة، فإن محمد الخامس يصير هو عبد الإله بنكيران، السلطان الشرعي لحزب العدالة والتنمية.
وحيث أن مؤامرة خلع السلطان محمد الخامس الفاشلة تم تنفيذها من طرف الباشا الكلاوي والمقيم العام جوان كيوم، فإن مصطفى الرميد، بصمته الماكر، عن تسمية باقي شخوص المؤامرة، ترك للمغاربة حرية استنتاج من هو الكلاوي ومن هو غيوم في مغرب ما بعد السابع من أكتوبر، مثلما حملهم ضمنيا مسؤولية إفشال مخطط خلع بنكيران، كما أفشلوا مؤامرة خلع السلطان محمد الخامس!!!…
إن استدعاء واقعة تاريخية توثق لمؤامرة خطيرة استهدفت رمز الأمة المغربية، وضامن وحدتها واستقرارها، من طرف الرجل القوي في حزب العدالة والتنمية، لم يكن من قبيل الصدفة، بقدر ما يكشف إيمانا مستحكما في قلوب قادة الحزب ومناضليه، بكونهم أصحاب قضية، وأن لهم شرعية الحكم، التي يتهددها تحالف الخونة مع قوى الاستعمار الغاشم!…
واهم إذن من يعتقد أن إخوان بنكيران مؤمنون حقا بقيم التعددية، والمساهمة إلى جانب مختلف الفرقاء، كل من موقعه، أغلبية ومعارضة، في تعزيز الاختيار الديمقراطي لهذا البلد الآمن، فصناديق الاقتراع بالنسبة لهم ليست إلا مدخلا آمنا للتمكن والغلبة، فهم الشعب وهم الوطن……