وضعية مسرح سرفانطيس بطنجة إلى أين ؟ (2)

جريدة طنجة – م. الحراق (مسرح سرفانتس ) 

كان مسرح سرفانطيس منذ تدشينه سنة 1913 عبارة عن مؤسسة في خدمة كل الطنجاويين دون استثناء، يعار مجانا إلى المؤسسات والجمعيات بالمدينة، مثل الصليب الأحمر، ولقاءات ما كان يسمى (بمجلس السيدات)، وأنشطة التمثيليات الدبلماسية، والجمعيات الخيرية، وتجمعات الهواة. واعتمد على الجمعيات الثقفية المغربية النشيطة مثل الجمعية الرياضية الإسلامية (الهلال) التي كان يديرها ابن الطاهر، هذه الجمعية التي كانت تتوفر على فرقة مسرحية، عرضت أعمال متنوعة بمسرح سرفانطيس بطنجة، وفي سنة 1929 عرضت فرقة هذه الجمعية مسرحية (صلاح الدين الأيوبي) لنجيب حداد، وفي يوم 23 غشت من نفس السنة قدمت مسرحية (عطيل) لويليام شيكسبير.

وكانت المسرحيات التي تمثلها الجمعيات المغربية، تركز على إذكاء الوعي الوطني ، فكانت جمعية الهلال المسرحي تختار مواضيع مسرحياتها من خلا استحضارشخصيات تاريخية كبرى مثل مسرحية صلاح الدين الأيوبي التي قدمت في شهر فبراير من سنة 1929، كما احتفى بشخصيات كانت مؤثرة تنتمي للقومية العربية، مثل شكيب أرسلان، الذي زار طنجة في شهر غشت من سنة 1930، أثناء أزمة الظهير البربري.

ومن بين الجمعيات التي كانت تنشط بمسرح سرفانطيس نذكر المجموعة الغنائية التي كان يديرها (ألبيرطو بيميينطا)، وفرقة النادي المسرحي صلاح الدين التي كان يمثل فيها المرحوم (العربي اليعقوبي)، و(مرسيديس رويت) وغيرهما.

وتحتفظ مكتبة الأديب والكاتب الإسباني (خوان غويتيصولو) لمعهد سرفانطيس طنجة، بكمية كبيرة من المجلدات، تضم أعمالا مسرحية، وهي حصيلة رصيد أعمال فرقة التجمع المسرحي الإسبانية، ولازال بعضها عليها ملاحظات بخط اليد.

التجمع المسرحي هذا، الذي كان يسيرة موظف بالمفوضية الإنجليزية، كان يسمى ( سيكسطو سيلفا)، ينحدر من مدينة (كادس) الإسبانية، هو الذي كان يتكفل بتنظيم التمثيليات والمسرحيات لصالح العائلات الإسبانية الميسورة، هذا الأخير طلب في شهر ماي سنة 1953 من السلطات الإسبانية آنذاك، بأن يتكفل بمسرح سرفانطيس لتفادي تدهوره، لكن العقد المعمول به حال دون ذلك. كما كان ينظم أيضا عروضا خيرية لفائدة المعوزين والأرامل أشهرها عرض مسرحية (لوليطا طينوريو)، والمسرحية الهزلية (بيت المعجزات) التي تم عرضهما شهر شتمبر 1930، وخصص مدخول العرض لمساعدة الأرملة (مرسيديس كونصاليس رودريغيس) لإعالة الستة من أبنائها.

ولكي تبقى أبواب مسرح سرفانطيس مفتوحة كل يوم، ارتأى المسؤولون عليه بأن يقدم مسرح سرفانطيس أفلاما، غير أنه اكتفى بإعادة عرض ما كانت قاعات السنيما بطنجة قد عرضته من قبل، مساهمين بذلك في نزع المصداقية عن القاعة.

ولم يكتفي مسرح سرفانطيس بطنجة بهذه الأنشطة الثقافية والفنية، بل تعداها لتشمل الرياضة، حيث احتضن مقابلات في الملاكمة والمصارعة الحرة، وكانت من بين الرياضات التي تبعث على الترقب والتتبع من طرف جمهور مدينة طنجة، وأضحى كل من (مسرح سرفانطيس) و(قاعة الليدو كورسال) التابع للفرنسيين، المكانين اللذين تنظم فيهما المباريات الرياضية، حيث كان الملاكمون والمصارعون يأتون من كل أنحاء المغرب، نذكر من أشهرهم (إسحاق بنزكين وإلياس السرفاتي)، ودون أن ننسى (لا ينمسكرادو وبوشاديس وأيوس … وغيرهم كثير)، وفي سنة 1954 أقيمت في مسرح سرفانطيس بطولة المغرب للملاكمة هواة.

ونختم هذه الحلقة بسرد وثيقة بعث بها مدير مسرح سرفانطيس إلى سلطات مادريد سنة 1929 يذكر فيها بضرورة الاعتناء بمسرح سرفانطيس لتعميق جذور الثقافة الإسبانية في هذه المدينة، وهي تبين بالتالي مدى المنافسة الحادة، التي كانت بين إسبانيا وفرنسا في ظل الحماية الدولية، لاحتواء ساكنة طنجة ثقافيا، حيث يقول مدير مسرح سرفانطيس “… يمكن أن نطمح لإنهاء الصيغة الوحيدة لنجعل من المسرح في المستقبل القريب عملا مجديا حقا كي يصير سرفاطيس مسرح طنجة بامتياز، وليس محل اجتماع الجالية الإسبانية فقط، مثلما حاولت الجالية حتى الآن إما عن حسن نية، أو لإرادة صادقة كي يخلق جوا عائليا خاصا بالإسبان، وهذا سيعمل على إبراز اختلافاتنا مع ثقافات الجاليات الأخرى، وسيعطي للقاعة الفرنسية (الليدو كورسال) فرصة وميزة لإقامة الاجتماعات الدولية، وهو الشيئ الذي لانسعى إليه، ففي الأفلام يحاول مسرح سرفانطيس عرض إنتاجات الدرجة الأولى التي تدفع كل الناس إلى المجيئ لمشاهدتها، بحيث لا يكون المرء ملزما بالنظر كثيرا إلى نصوصها إن كانت مكتوبة بالإسبانية أو الفرنسية …” …

يُتـبـع

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر