عبد الحــق بخـــات: الرجـــل الــــذي..
جريدة طنجة – محمد سدحي ( عبد الحــق بخـــات )
وبمناسبة هذه الالتفاتة الجميلة، ارتأيت استعادة كلمة في حق الرجل، كان الداعي لكم بالخير قد شارك بها في حفل تكريمي مماثل بفندق المنزه، نظمته جمعية نهضة طنجة في سالف الأيام على شرفه. وهذا نصها بدون زيادة ولا نقصان :
***
عبد الحــق بخـــات: الرجـــل الــــذي..
لك أن تقدر، أيّهـا الداعي بالخير لهذا الملأ الكريم، مساحة المودة وحجم التقدير والاعتبار لهذا الوجه المكرم.. الوجه العزيز الذي ينظر إليه اليوم، الآن وهنا، بفيض من المحبة الصادقة.. والذكرى الجميلة..
لك أن تقدر، أيها التلميذ المجتهد.. المتعثر في عتبات القول.. المرتبك في حضرة وفرة من فرسان الكلام.. لك أن تقدر شساعة المناسبة وضيق ذات العبارة..
الصديقات والأصدقاء.. أيها الحضور الكريم،
لن أستعير تعبير المجالس المنتخبة وأكرر العبارات المبتذلة مثل:
( إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أمثل أمامكم اليوم…) ثم أمشي في حبور وغرور أقذفكم بوابل من آيات النفاق والشقاق وسوء الأخلاق..
المناسبة عندي أعمق من أي لقاء عابر أو تجمع عفوي زائل..
كنت دائماً، ولا زلت، والله شاهد على طويتي وصدق نيتي، أشرب نخب المودة الصادقة والمحبة الخالصة من كأس الصداقة.. كأس الأخوة.. كأس التقدير والاعتبار لصديقنا الأستاذ عبد الحق بخات… ولكم أن تقدروا معي، إذا سمحتم، الوزن الخفيف لهذه الكؤوس التي لم يكن تحريكها ليحدث ضجيجاً..
مذكرات: بحثاً عن لحظات تستحق الكتابة..
مضى وقت طويل وأنا أبحث في رمل الذاكرة عن حبات بلورية مشعة تستحق الانبعاث من جديد في هذا المقام البهيج وتحظى باهتمامكم.. أيها الأعزاء.. تراكمت علي التفاصيل حتى ضاع مني رأس الخيط.. خيط الزمن الذي يمتد متصلاً لما ينيف عن ثلاثة عقود..
أنا لم أعرف، أول الأمر، السي عبد الحق بخات بصفته مشاركاً في تدبير الشأن العام المحلي، بل عرفته على رأس نهضة طنجة لكرة القدم، عندما كنا مازلنا شغوفين بالجري وراء أي شيء مكور، سواء في ملعب السواني، ملعب الشريف أو أي خلاء حر..
• في بداية الثمانينات، ستقودني الصدفة.. الصدفة فقط.. إلى اكتشاف جريدة اسمها: Le Journal de Tanger
كان أحد الأقارب، صاحب مقهى في حي بني مكادة القديمة، يواظب على اقتناء نسخة من الجريدة صبيحة كل صدور.. كان يحتفظ بالصفحتين الداخليتين المخصصتين للبرامج الأسبوعية للقنوات التلفزية الإسبانية، ثم يتكرم عليّ بالباقي..
آنذاك، تشكلت لدي صورة مخالفة للرجل الذي يختلف حوله المؤيدون والمعارضون من جمهور الكرة.. إنه السي عبد الحق بخات مدير الجريدة.. وكانت الجريدة، أيامها، عزيزة ونادرة.. أما أن يظهر لك اسم أو صورة على صفحاتها، فإنك في الأخبار سيرة على كل لسان.. طويل أو قصير..
• مع مطلع الحبات الأولى للعقد التسعيني، قررت الفعاليات الرياضية بالمدينة الالتئام داخل إطار رياضي موحد، أطلق عيه اسم “المكتب المديري لنادي اتحاد طنجة متعدد الرياضات”، وأسندت، فيه، مهمة أمين المال للسي عبد الحق، وكان العبد الضعيف عضواً في هذا المكتب المديري، أمثل فرع ألعاب القوى إضافة إلى الأخ محمد عربية.. حيث كانت الاجتماعات المكثفة لأعضاء المكتب، في مقر العصبة الذي كان يقع بشارع فاس، مناسبة للاحتكاك أكثر بالسي عبد الحق والتعرف عليه بشكل كاف.. ولن أنسى أبداً قفشاته وابتسامته العريضة الدائمة، والتي تعتبر إحدى السمات المميزة لشخصية عريسنا لهذه الأمسية الحميمية..
وأنا عود طري ضمن رزمة من الكبار الذين خبروا الميدان وراكموا ما يكفي من التجربة في هذا المجال، كنت، أثناء تلك الاجتماعات، أنتظر بشغف طفولي كبير دور السي عبد الحق في الحديث.. الرجل لا محالة ذاهب طولاً إلى فرقعة الرمانة، مهما حاول الرئيس الحاج الطيب الرامي وباقي الأعضاء الحديث بمواربة عمّا يجري ويحاك في الضفة الأخرى ضد المكتب المديري.. حيث تم تسخير كل الإمكانات المادية وشبه البشرية لقبر هذا المشروع.. ومنذ ذلك الحين، والمكتب المديري للاتحاد يظهر ويختفي كثعلب الراحل الكبير محمد زفزاف..
• عندما كان السي عبد الحق رئيساً لاتحاد كرة السلة، أواخر القرن الماضي، دعا إلى لقاء موسع مفتوح بغرفة التجارة والصناعة والخدمات (ولقاءاته دائماً مفتوحة، على فكرة).. حضر في هذا الجمع الغفير عدد هائل من المسؤولين والمسيرين الرياضيين والتقنيين واللاعبين والصحافيين والمحبين والمتتبعين والفضوليين.. وفي عز النقاش تقدم الداعي لكم بالخير بمداخلة منهجية، كانت تروم نقد الأوضاع السائدة آنذاك، وتحاول طرح تصور جديد للتعاطي مع تدبير الشأن الرياضي، والحقيقة إن هذا الطرح كان يتسم بكثير من الطوباوية المتعالية على الواقع الرياضي المفروض.. فكان أن أجابني الرئيس السي عبد الحق بهدوء تام وبابتسامته المرسومة على محياه دائماُ، إذ قال:
– يا أستاذ ! (وبالمناسبة فإن الرجل يحرجني كثيرًاً إذ يناديني دائماً بالأستاذ تواضعاً منه، وأناديه بالأستاذ تقديراً مني له..) يا أستاذ.. نحن الآن منشغلون بالبحث عن الموارد المادية للفريق، ومتابعون بالسفريات والمباريات وصرف المنح وتسوية وضعية سكن اللاعبين وحل النزاعات بينهم، وملزمون، أيضا، بمتابعة الحصص التدريبية المكثفة وغير ذلك من الأعباء الروتينية.. ونعدك أنه لو انتهينا من كل هذه الأشياء وبقي لنا متسع من الوقت، سنعمل على قراءة ما لا يحصى من الكتب كي نتمكن من الرد على تدخلك بنفس المنهجية ونفس التصور ونفس اللغة أيضاً…
وخرجت منها بدرس عميق وقوي، كرس لدي أكثر مقولة: “لكل مقام مقال”..
***
إننا إزاء شخصية طنجوية قوية.. شخصية جديرة بالتقدير.. جديرة بالقراءة والتأمل أيضاً.. وإذا كنا نحتفي اليوم بهذا الرجل الاستثنائي حقيقة، فإننا نحتفي بجزء كبير من ذاكرتنا الطنجية الخصبة، ونتصالح مع الذات.. ذاتنا الجمعية المؤجلة، إن لم أقل المغيبة لصالح عناصر وافدة ملفقة، تزكي نفسها وتدعي الريادة، وهي ماسكة على أي حال بزمام القيادة في زمن التردي.. زمن طنجة لمن لا طنجة له.. زمن القفز الماعزي بالحبال الصوتية المشتراة من سوق النخاسة الانتخابية..
إننا إزاء رجل مفرد بصيغة الجمع.. رجل حاضر وضارب بقوة في كل جوانب الحياة العامة لمدينتنا الكوسموبوليتية.. رجل مؤثر في كثير من السياقات على مختلف الأصعدة..
مرة، التقطت إشارة قوية ودالة من أستاذنا الجليل خالد مشبال وهو يتحدث عن السي عبد الحق بخات، مفادها أن بعض الناس، للأسف، تكونت لديهم، عن بعد، صورة مغلوطة عن الرجل.. ومهما اختلفنا حوله، فإن خبره اليقين عند فئة عريضة من فقراء ومساكين هذه المدينة الذين يجدون فيه السند والملاذ بمناسبة أو بدونها.. ومن خامره شك فيما نقول فما عليه إلا أن يزور، في أي وقت يشاء، مكتبه بمقر الجريدة، ليقف برجليه ويرى بعينيه..
***
الأخوات والإخوة..
مهما حاولت.. ومهما اجتهدت.. ومهما أسهبت في الحديث عن هرمية وكاريزمية هذا الرجل، فإن كلماتي المتواضعة تبقى مجرد قطرات شحيحة لا تكفي لإخصاب هذه الجلسة المباركة… وأعول على مساهماتكم ومشاركتكم في هذا الوقفة المشهودة..
وشكراً جزيلاً للمنظمين صانعي أسباب نزول هذا الخطاب.. و شكراً كثيراً للحاضرين على حسن المتابعة والإنصات…..