غثاء كغُثــاء السيل..!

جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( دونالد ترامب وسياسته ضدّ العرب ) 

ـ بدأت لعبة العالم الجديد.. دونالد ترامب يقوم اليوم مقام هولاكو!..
ـ طرد العرب من أمريكا وذهب ليأخذ أموالهم.
ـ مع من ستشتغل مصانع السلاح لوعم السلام الربوع والأصقاع؟!..

إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها…
حين قالها الحجاج السفاح كان فعلا ينوي جز رؤوس المسلمين في سبيل تدعيم ركائز ملك بني أمية وترسيخ هيبة عبد الملك بن مروان… غرَقَـــت البلاد الإسلامية في الدم منذ مقتل عثمان بن عفان مروراً بالخوارج أسلاف الدواعش وإلى موطئ أقدامنا، ومنبت رؤوسنا…وإلى زرعنا وضرعنا فظهر سفاحون آخرون، وحجاجون لم يكتفوا برمي الكعبة بالمنجنيق، وهتك حرمة المسجد الحرام فزحفوا ياجوجا وما جوجا على شرق بلاد الإسلام حيث الخريطة الملتبسة، والأرض المتخمة بالثروات مع شعوب قليلة كانت تعيش حياة الرحل والصحراء والتمر والنوق وتتلهى بالغزوات وسبي النساء واتخاذ الجواري… وبعضها يعيش على صيد السمك والمحار والمرجان في عمق البحر الأحمر… وانفجرت الأرض بالعطاء….

وأطلت الفتنة… “إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى” وشحذت الأطماع سلاحها… وكشرت عن أنيابها ثم بدأت لعبة العالم الجديد… دونالد ترامب يقوم اليوم مقام هولاكو… ولا يكتفي باستعمال النار والحديد بل يمارس الابتزاز في أجلى صوره… وينشر ألويته في كل مكان في البلاد الإسلامية تحقيقا لحلمه في جعل أمريكا القوة الأولى في العالم رغم أن هناك من تحدى جبروته دون أن يستطيع له دفعاَ أو رجماً.

في سوريا والعراق قوات أمريكية ادعوا أنها للاستشارة وتقديم الخبرة… في جهات أخرى هي موجودة لتدريب القوات المحلية… وأخيرا أرسلت 4000 جندي لأفغانستان والأكيد أنها ستعود من هذه الأراضي الشاسعة الوعرة بخفي حنين، فالمعروف أن الأفغان قوم أشداء، يتعاملون مع جبالهم وهضابهم وكهوفهم وحجاراتهم تعامل الأليف والحبيب لا يهمهم ما يأكلون… ولا يحملون معهم أغذية معلبة، ومياه معدنية فإذا جاعوا أكلوا ما يخرج من الجحور… من أفاع وعقارب وزواحف، ففي دمائهم يجري سمها مع سمهم… لهم نفس وصبر طويل على تحمل المكاره والصعاب والمخاطر… لقد جرب الروس قبل ذلك فعادوا مندحرين يجرون أذيال الخيبة والهزيمة، ولن يكون حظ الأمريكان بأوفر وأفضل من الروس… هولاكو العالم الجديد قال ما قاله الحجاج لأهل الكوفة… ولكن ترامب قالها لجميع المسلمين في الكوفة والبصرة وبعداد ودمشق والرقة ودرعة وطرابلس وبنغازي… أعطى السلاح لفريق وقذف حمما على فريق آخر فتشردت شعوب بأكملها، وتوزعت أشتاتا على وجه الأرض… لو كان يريد إنهاء الحرب كما يقول ودحر الفتنة والإرهاب لفعلها في أقل من ساعة، ولكن مع من ستشتغل مصانع الأسلحة لو عم السلام الربوع والأصقاع، فالحروب وقود مصانع السلاح ومواردها، وليس من سوق رائجة رابحة كالسوق العربية والإسلامية الكثيرة الأعراق والأعراف والملل والنّحل والطوائف التي تزيد الفتنة اشتعالا فيزداد الطلب على السلاح حتى غدت الرشاشة والبندقية والبازوكا لعبة الأطفال عوض المدمى.

وبعد بلاد الحروب اتجه إلى الخليج العربي فخلط فيها الأوراق وحمل معه 400 مليار دولار ومليوني منصب شغل وعاد مكللا بالنصر إلى البيت الأبيض بعد أن حقق في شهرين ما لم يحققه رؤساء قبله في سنوات… طرد العرب من أمريكا وذهب ليأخذ أموالهم، يقتل القتيل ويمشي في جنازته… جعلوا منه بطلا… وزعيماً… وجمعوا له رؤساء وأمراء وشيوخا، ونصبوه وصيا وحاضنا… باسم محاربة الإرهاب، وباسم الحق يستمر في دغدغة مشاعر الضعفاء الأثرياء، الضرب على الوتر الحساس، والتخويف من الغول الجار وهو أقرب إليهم من حبل الوريد… علما أنه وكل العالم المتقدم لم ينجح في كبح جماح الغول الفارسي، ولا في نزع أسلحته الدمارية… ولا في قتل رغبته في كسب السلاح النووي أو وقف التجارب وتمضي إيران ومثيلتها كوريا الشمالية في تجاربها وابتكاراتها وتطوير قدراتها القتالية دون أن يستطيع هذا العالم المتقدم الرد الحازم والرادع على القوتين الناهضتين في آسيا… إن من يملك القوة يملك الحق… منطق مواز للعالم الجديد… ومن أراد المبادئ فليأكل التراب، ويشرب من ماء البحر، فالدنيا مصالح، لا مبادئ ولا أخلاق ولا صداقات…

قال مسؤول قطري لعله الرئيس التنفيذي للبترول بقطر “نحن لا نتعامل بالعقود فقط ولكن بالأخلاق أيضا” وكأنه لم يستفد من درس دول المقاطعة الخليجية وغيرها!.. فأين الأخلاق في مقاطعة بلد شقيق اقتصاديا، وحصاره برا وجوا وبحرا، ومحاولة تجويع أهله، وتشتيت شمل أسره؟..

أين الأخلاق؟ وأين الدين في منع الخبر والماء والدواء عن أهل وأشقاء ونحن نعرف أن كل معاش ودواء بلدان الخليج مستورد؟ لقد قالها علماء ومؤرخون ومفكرون سابقون وحاليون…”إنه عالم مجنوون يحكمه مجانين… وما ترامب إلا علقة من نطفة مجانين سابقين روعوا العالم وأضرموه نارا أمثال هتلير وستالين وموسيليني”…

الغريب أن يستمر العرب في جهلهم أو تجاهلهم وكأنهم ينتمون لدولة الحشاشين التي سادت زمنا في الشرق العربي ثم اندثرت…. وقد توعد ترامب دول الخليج أيام حملتهم الإنتخابية، وقال أنه المفروض عليهم أداء مقابل الحماية الأمريكية لهم… وهنا تتجلى مسألة الوصاية، وقبلها هدد بالحجز على مدخرات السعودية واستثماراتها في أمريكا لأداء تعويضات لعائلات وأسر ضحايا البرج التجاري أو المركب التجاري نيويورك.. أي أن إرادة الإبتزاز كانت موجودة سلفا، ولكن الضعف العربي، والهزال الغربي… والتشرذم الإسلامي… وتخلخل الإيمان باللّه…

والتمسك إلى حد الجنون بالحكم جعل من العرب والمسلمين أولئك الذين قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم في حقهم: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»…

و قال الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام: «ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أَمِنْ قِلّــة نحـنُ يا رسول اللّه؟ قال : بل إنكم كثير يومئذ ولكنكم غُثــــاء كغثاء السيل”… صدق رسول الله صلى اللّه عليه وسلم..

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر