“طبيعة التحـــكم”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( التحـــكم )
و رغم أن التناوب على السلطة يُفترض أن يكون تتويجا لتنافس مفتوح تحسمه صناديق الاقتراع، كما هو الحال في الأنظمة الغربية، لا يُستساغ أن يكون موضوع “توافق” في الكواليس المغلقة، فإن هذا التعبير نجح في وصف المرحلة من جهة طبيعة التحول الذي طرأ على المشهد السياسي المغربي، و لقي، تبعا لذلك، قبولا من العامة كما عند النخب السياسية.
بعد انتقال مقاليد “الحكم”، أو رئاسة الحكومة بتعبير الدستور الجديد، إلى “تيار اليمين الديني”، مسنودا بلفيف غير متجانس يضم بقايا الإقطاع و أذناب الشيوعيين، فإنها كانت مناسبة أخرى “أبدع” خلالها ” فُقْيان الكلام” اصطلاحات جديدة و أضافوها إلى القاموس السياسي الوطني، ومن جملة هذه الاصطلاحات المبتكرة ما أضحى اليوم معروفا في الأوساط السياسية بـ “التحكم”، فبماذا يتعلق الأمر ؟
لغةً، التَّحَكُّمُ مصدر من فعل تَحَكَّمَ، و هو فعل خماسي لازم، و معناه، حسب معجم المعاني، هو ضبط الأمور الذاتية، يُقال : تحكم في أموره الشخصية، ضَبَطَها و أَحْكَمَها، و يُقال أيضا : تَحَكَّمَ في أمور غيره، أي تَصَرَّف فيها كما يحلو له، و يأتي الفعل أيضا بمعنى اسْتَبَدَّ.
أما عن استخدام مصطلح “التَّحَكُّم” في التعابير السياسية للدلالة على الانزعاج من “سلوك ما” تمارسه “جهة ما” فهو استخدام حديث لدى المغاربة، يكتنفه اللُّبْس و انعدام الحجة و الدليل، فرغم ما فيه من تلميح يفيد نِسْبة هذا التحكم المزعوم لأشخاص ينتمون لدائرة السلطة، فإنه يبقى، رغم ذلك، مجرد تلميح و لا يجوز أن يقوم مقام التصريح.
“التحكم” المنسوب لجهة ما، على فرض وجوده و تحققه الفعلي، فإنه لا يعدو كونه سلوكا تُفترض نِسْبته لشخص ما طبيعيا كان أو معنويا، بمعنى أنه فعل مادي، و عندما يكون الأمر كذلك، فعلى المُشتكي أو المتضرر أن يثبت حصول ذلك أمام الجهات القضائية المختصة ، إن تعلق الأمر بارتكاب “تحكم” يقع تحت طائلة القانون ،جنائيا كان أو مدنيا.
أما إن تعلق الأمر بـ”تحكم” لا تسري عليه القوانين العادية، فالمؤكد أنه يخضع للقانون الأسمى للدولة أي الدستور ، و في تلك الحالة، فإن الوضع يقتضي رفع الدعوى من المتضرر و حلفائه أمام المحكمة الدستورية، وعلى الجميع أن يثبتوا صحة ثبوت هذا “التحكم” و مخالفته لأحكام الدستور، لكن دون إغفال أن العجزعن بلوغ ذلك يقابله السقوط في حالة إذعان دائم…