“السؤال الذي لم يُطرح “

جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( آراء ) 

تواضع الناس منذ أمد بعيد، كلما مضت عصور أو عقود من الزمان، على صناعة أجيال جديدة لما يعرف لديهم بحقوق الإنسان. الجيل الأول من هذه الحقوق، و سُمِّيت “الزرقــاء”، اهتمت بقضـايا الحــرية والمشـاركة في أمـور السياسة والحـكم، و بسبب ذلك كانت ذات طبيعة مدنية و سياسية ، و حاملة للنزعة الفردية في مواجهــة تجــاوزات السلـطة .

تضمن الجيل الأول حقوقـا تراوحت بين حـرية التـعبير و الحـق في المحـاكمة العـادلة و بين حـرية التديُّن و التصويت، و رجع الفضلُ في تأسيسها لوثيـقة الحـقوق الصـادرة في الولايـات المتحدة الأمريكية و لإعـلان حـقوق الإنسـان والمواطـن الصادر بفرنسا خلال القرن الثامن عشر، الذي يجد أصوله النظرية في “الماجنا كارتا” و لائحة الحقوق البريطانيتين.

بعد الحرب الكونية الثانية، بدأ الحديث عن حقوق الجيل الثاني، أو ما سيُعْرف لاحقا بالحقوق “الحمراء”، و ذلك من خلال المناداة بالمساواة في الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و من أجل معـاملة متكافئـة لفئـات المجــتمع، و هكذا شملت هذه الحقوق: حق الحصول على عمل، و حق الرعاية الصحية و السكن، و جرى تضمين الجيل الثاني من الحقوق في وثيقة الإعـلان العـالمي لحـقوق الإنسـان.

ابتداء من سبعينيات القرن الماضي شرعت المجتمـعات الغربيـة في إظـهار معـالم الجـيل “الثالث” من حـقوق الإنسـان لتـخطّي الحـقوق المدنيـة و الاجتماعية، أو ما اصطلح عليه “الحقوق الخضراء”، بل و تجاوزها نحو حقوق أكـثر إنسانية كالحـق في البيـئة السليمة و الحـق في التنمـية و المـصير و الاستـدامة و التراث الثقـافي و غيرها من الحقوق.

في الآونة الأخيرة ظهرت مطالب “حقوقية” جديدة في مختلف دول العالم، مطالب لا تعرف لها في الزمن الراهن أية هوية رغم اجتهادات فقهاء القانون والحقوق، فقد برز للوجـود مناضلون و مناضلات من طينة فريدة، غايتهم الأولى إباحـة “المنكرات” و تسويغ الظـواهر الخـارجة عما اتفق عليه الناس منذ بدء الخليقة، فالذكر، حسب هؤلاء، يجــوز، بل يحق له الاقتران بذكــر من جـنسه، و الأنـثى من جـهتها لا ينبغي أن تقـع في أي حـرج إذا ما شاءت الاقتران بواحدة من جنس المؤنث.

النضال المتصاعد لهؤلاء الغلمان والنسوان آتى أكله في بقاع العالم المتحضر، و صارت الدول المدنية، عبر حكوماتها و برلمانـاتها، مجـبرة على إصدار نصـوص تشريعية تضمن هذه “الحقوق” و تسهر على احترامها و عدم المساس بها من قبل “الأغيـار” و توفير المنـاخ القانوني الملائم لممارسة شعائر السحاق و اللواط بعيدا عن تعسف الرقابة الاجتماعية المفرطة و القاسية.

اللواطيون و السحاقيات، كما يُطلق عليهم في بلاد لا تحترم إنسانية مواطنيها، عانوا و لازالوا يعانون في المجتمعات العربية المتخلفة من سطوة القهر الاجتماعي المسلط عليهم لأسباب يجري تسويقها على أساس ديني و أخلاقي، لكن هؤلاء “المنبوذين” الموصوفين بنعوت حاطة بإنسانيتهم مارسوا أفعالهم و حقوقهم منذ القدم، رغم أن نشاطهم هذا ظل على الدوام محل رفض و استهجان من مجتمعاتهم، و رغم فشل الأنظمة الأخلاقية و الدينية في اقتلاع ممارسات هؤلاء و محوها من الواقع، فإن تلك المجتمعات، المنافقة بطبيعتها، ظلت على الدوام في حالة صراع و رفض تام لفكرتي اللواط و السحاق، و لا تعدها مطلقا في لائحة الحقوق، لكن تلك المجتمعات الموبوءة ذاتها لا ترى مانعا في الاعتراف الضمني بسلوكات على قدر كبير من النذالة و الوضاعة، نظير سرقة الأموال العامة و التهرب من أداء الضرائب و انتهاك حقوق الأبرياء و السطو على أرزاق الفقراء.

أما آن لهذه المجتمعات العربية المنافقة و المزهوة بتدينها أن تعيد النظر في منظومتها الأخلاقية المهترئة و أن تسعى لإعادة صياغة مفهوم الأخلاق وتجديده بالشكل الذي يضع الإنسان، مُطلق الإنسان، في دائرة الأولوية ؟ أم أن مجتمعاتنا البليدة، التي يحلو لها التبجح بتقاليد بالية، مازالت على بعد أميال ضوئية من مبادئ و مخرجات الجيل الرابع لحقوق الإنسان ؟
ذلك هو السؤال الذي لم يطرح…. .

 

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر