حان الوقت لبعض الوجوه أن تستريح
جريدة طنجة – محمد العمراني ( خطاب العرش المُوجّه للقادة)
بعد النقد القاسي الذي تضمنه خطاب العرش للأحزاب السياسية، والذي كان بمثابة تشريح دقيق لواقع الحقل السياسي المغربي، بأعطابه و منزلقاته، توجهت الأنظار إلى قادة هاته الهيئات السياسية، وبصفة خاصة تلك الممثلة بالبرلمان، والتي بصمت المشهد السياسي خلال الخمس سنوات الأخيرة..
إلياس العماري، زعيم حزب الأصالة والمعاصرة، سواء كان قد بادر إلى تقديم استقالته أو تلقى نصيحة بتقديمها، فإن ما أقدم عليه يعتبر تجاوبا وتفاعلا مع مضامين الخطاب الملكي، وتحملا لمسؤولياته في الاختلالات التي اعترت العمل السياسي ببلادنا، والتي كانت محط انتقادات لاذعة من طرف ملك البلاد…
ما أقدم عليه العماري يبقى من دون شك رسالة موجهة إلى حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وإدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، اللذان يفترض فيهما أن يغادرا الحياة السياسية، لكونهما يتحملان المسؤولية كذلك في تشويه صورة العمل الحزبي ببلادنا، ودفع المواطنين إلى العزوف السياسي…
غير أن الأنظار كانت موجهة بالدرجة الأولى، عقب الخطاب الملكي، لعبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بالنظر لهيمنته الكبيرة على المشهد السياسي خلال الخمس سنوات…
العدالة والتنمية والإقالة والمعاصرة، لمعرفة اُسلوب تعاطيهما مع مضامين الخطاب الملكي.
وكان لابد من انتظار انعقاد الملتقى الوطني لشبيبة العدالة والتنمية بفاس لمعرفة موقف زعيم المصباح من مضامين خطاب العرش.
بنكيران ظل وفيـًُا لعــادته في اللعب على الحبلين: الاختباء وراء وفائه للملك، وفي نفس الوقت توجيه انتقادات قاسية، تخفي وراءها الكثير من اللؤم، لما يصدر عن رئيس الدولة من مواقف وقرارات.
بنكيران بقدر تكرار اسطوانته أن حزب لعدالة والتنمية رهن إشارة الملك، بقدر ما ناقض نفسه و استبق نتائج التحقيق وجزم باستحالة تورط أي عضو من العدالة والتنمية في تأخر برنامج “الحسيمة منارة المتوسط”، وهذا في حد ذاته حكم مسبق ببراءة منتسبي حزبه، وفي الوقت ذاته توجيه للتحقيق، وتهديد مبطن لمن يفكر في جر أحد وزراء المصباح للمساءلة..
الملك دعا إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، و بنكيران ينزه أعضاء حزبه ويمنحهم الحصانة!..
أكثر من ذلك، فإن بنكيران رفع السقف عاليا بالدعوة إلى فتح تحقيق لمعرفة أسباب تأخر خروج الحكومة التي كلف بتشكيلها عقد انتخابات 07 أكتوبر 2016، في رسالة إلى جهة يتهمها بإفشال مهمته، ما أفضى إلى إعفائه، وتكليف العثماني بدلا عنه…
وكأن بنكيران بريئ ومظلوم، ولا يتحمل أي مسؤولية في تعقد المفاوضات بين حلفائه في الأغلبية، وإيصالها إلى الباب المسدود…
وعوض أن يقتدي بنكيران بشيم رجال الدولة، وأن يمارس النقد الذاتي، وأن يتواضع كشأن وإعمال كبار الزعماء، اختار كعادته أن يمارس هواية تمجيد الذات، وتبرئة نفسه، وتحميل الغير مسؤولية فشله في تدبير الكثير من الملفات!..
جميعنا يتذكر كم كان بنكيران يصر على الإعلان أمام الملأ بكون المغرب لا يمكنه أن يسير بدون ملك له جميع الصلاحيات لتدبير شؤون البلاد، وأنه ضد الملكية البرلمانية، موجها انتقادات قوية لكل من كان يطالبه بتقليص اختصاصات الملك لفائدته…
لكن اليوم، وبعد أن صار بنكيران خارج رحاب المشور السعيد، تحول إلى معارض شرس، يطالب بتعديل دستوري لتقنين صلاحيات الملك…
أي مصداقية ستبقى لمثل هكذا زعيم؟..
عندما تكون مستظلا تحت مظلة النفوذ، تبلع لسانك وتتحول إلى مدافع شرس عن النظام والمؤسسات، و عندما تخرج من دائرة القرار، تصير معارضا جذريا وتشهر مطالب تعديل الدستور، وإذا استحال عليه الأمر فليهدم المعبد على من بداخله!..
مع كامل الأسف،
بنكيران أصر على فرملة الآمال التي خلفها خطاب العرش الأخير، وهو الخطاب الذي فتح صفحة جديدة في تاريخ المغرب…
البلد في حاجة اليوم إلى طي صفحة وفتح أخرى…
على بنكيران، العماري، شباط، لشكر، بن عبد الله، أن يغادروا المشهد السياسي، وأن يرأفوا بالمغاربة وببلدهم…
المغرب اليوم بمشاكله المستعصية في إلى أحزاب تقودها نخب عقلانية، واعية بالمخاطر والتحديات التي يواجهها الوطن، مؤمنة بالمقاربة التشاركية كمدخل وحيد لاقتراح الحلول للأعطاب التي تعوق مسار الوطن…
على كل الزعامات المؤمنة بمنطق “انا بوحدي كنضوي البلاد”، أن ينسحبوا بهدوء، فمصلحة الوطن والشعب أكبر من طموحاتهم ونرجسياتهم…