السيّدة البتول بن العربي العوامي الذاكرة المَنسية ..

جريدة طنجة – زبيدة بن علي الورياغلي ( البتول بن العربي العوامي ) 

ولدت السيّدة البتول بمدينة طنجة سنة 1938 في حي الحـافـة وبهــا نَشَــأت في أحضــان أسرة مغاربية. والدها طنجاوي هو السيد عبد السلام بن العربي العوامي، ووالدتها هي السيدة رحيمو الهسكوري التي تنحدر من أصول جزائرية، ولدت في طنجة بعد استقرار والدها بها الذي كان قد هاجر وأسرته من مدينته وهران إلى طنجة في بداية القرن العشرين، وقد عرفت أسرة البتول في وسط حيها بالحس الوطني والوطنية الصادقة كجل المواطنين ماضياً وحاضراً.

انخرَطَت البتول في العمل الوطني في سن مبكرة وهي لازالت تلميذة بمدرسة القصبة للبنات التي تخرجت منها في سنة 1952 حاملة الشهادة الابتدائية. وفي مطلع الخمسينات إبان الفترة الدولية بطنجة كانت حاضرة في جل التظاهرات والاحتجاجات المنظمة من طرف الحركة الوطنية التي تنطلق من السوق الداخلي مركز التجمعات الشعبية نحو ساحة السوق البراني والبتول مرفوعة على أعناق الشباب رافعة صوتها بعبارات حماسية تلهب مشاعرهم. كما كانت تتسلل وحيدة تحت جنح الظلام بين أزقة المدينة القديمة ودروبها الضيقة تخفيها ظلمة المكان وسكون الليل عن أعين الرقباء، لترسم على الجدران صيغ كتابية تعبيرية وتحريضية تدعو فيها إلى التعبئة النضالية الجماعية.

في مظاهرة 30 مارس 1951 أصيبت بجروح بليغة بسبب تعرضها للضرب من أحد عناصر البوليس الدولي أمام بناية المندوبية بالسوق البراني نقلت إثرها للمستشفى الإسباني لتلقي العلاج.

كما كانت لها مشاركة فعالة في أكبر مظاهرة عرفتها مدينة طنجة في فترة حرجة من تاريخها النضالي، حدثت يوم 30 مارس 1952 بمناسبة الذكرى الأربعينية لتوقيع عقد الحماية على المغرب، والتي خرج فيها أهالي المدينة رجالا ونساء، وبعد نفي ملك البلاد الشرعي المغفور له جلالة الملك محمد الخامس كانت مشاركتها تتجلى في توزيع المناشير السرية والجرائد المحظورة الصادرة عن الأحزاب الوطنية، وكذا الوثائق السرية والبلاغات السياسية التي تدعو فيها إلى الإضرابات والتجمعات الشعبية، وتنظيم المظاهرات.

وقد أسهمت السيدة البتول في تكوين خلايا نسائية سرية في الأحياء الشعبية والإشراف عليها دعماً للعمل الوطني، بتنسيق مع أعضاء الأحزاب السياسية. «وقد شهدت المدينة في الخمسينات انخراط العنصر النسوي بدوره في العمل السياسي، حيث أقدمت الأحزاب الوطنية على تكوين خلايا نسائية من الأحزاب لتتكفل بدورها بالعمل السياسي إذ أكد مراقب الشؤون الشريفة أن سنة 1955 شهدت العديد من الأنشطة النسائية ذات الطابع السياسي التي كانت تعقد بدورها العديد من اللقاءات» (1)
وقد كان منزل والد البتول المرحوم عبد السلام العوامي مقراً لعقد الاجتماعات السرية للأعضاء المنخرطين في الأحزاب الوطنية آنذاك بالمدينة.

«إذا كان من تاريخ لتكثيف نشاط التجمعات السياسية بالمدينة فهو بالتأكيد بعد سنة 1953م سجلت تقارير البوليس الدولي بالمدينة العديد من التجمعات السرية التي عقدت في منازل بعض العناصر الوطنية المستقرة في المدينة» (2).

في سنة 1956 وبعد حصول المغرب على الاستقلال وعودة الملك محمد الخامس إلى عرشه ووطنه، تم استقبال جلالته لنخبة من نساء الشمال المغربي المناضلات بالقصر الملكي العامر بالرباط كان من بينهن السيدات البتول بن العربي العوامي، فاطمة بنيحي، السعدية بوصوف، البتول أحرار، شمس الضحى بوزيد، حبيبة طرشين، أمينة بلقاضي، ورقية السنوسي… اعترافاً من جلالته بحضورهن القوي في معترك الوحدة والاستقلال.

في نفس السنة أي سنة 1956 التحقت بإذاعة راديو إفريقيا (تأسست سنة 1937) حين كان المرحوم الأستاذ محمد أجنوي (1978) رئيساً للقسم العربي بها (3) فأسندت إليها مهمة التذييع إلى جانب الإعلامية الكبيرة الأستاذة أمينة السوسي زميلتها في مدرسة القصبة بطنجة التي تقول عنها «بأنها كانت مذيعة لها مكانتها، صوتها عذب وجذاب فيه (حتان زائدتان من الأنوثة) هي التي لعبت دور (الصافية) في أول مسلسل إذاعي بالمغرب «القايدة طامو» وقد انسجم هذا الدور مع شخصيتها» (4) وكان ذلك سنة 1959، بعد مغادرتها للإذاعة سنة 1957 والتحاقها بقطاع الصحة العمومية بطنجة، وفي سنة 1996 أنعم عليها جلالة الملك الحسن الثاني بوسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الثانية، قبل إحالتها على المعاش سنة 1998. واعترافاً بمسارها النضالي في الحركة الوطنية وتم توشيحها بوسام المقاومة وجيش التحرير من طرف المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير بتاريخ 09 أبريل 2015 بمناسبة تخليد ذكرى الزيارة الملكية لطنجة سنة 1947.

توفيت المناضلة المرحومة البتول العوامي يوم الأربعاء 18 شوال 1438 موافق 12 يوليوز 2017 عن سن يناهز 79 سنة، وبرحيلها طويت آخر صفحة من صفحات تاريخ نساء طنجة المناضلات اللائي أدين ضريبة حب الوطن إلى جانب الرجال كانت البتول إحداهن لكن سقطت أوراق قصة نضالها السري والعلني من الذاكرة الوطنية، فعاشت تصارع الزمان وألم المرض والحاجة والجحود تنتظر الموت البيولوجي بعد الموت المعنوي، وظلت واقفة على الرصيف تستجدي التاريخ لعله يشهد لصالحها فلم يجد سطراً واحداً فارغاً يسجل فيه اسمها على هامش دفتر إحصاء المقاومات، فانمحى اسمها وأسدل الستار على آخر فصل من فصول حياتها.

جزاك الله أحسن الجزاء على ما قدمت من تضحيات في سبيل وطنك وأسكنك فسيح جناته.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولدت السيدة البتول بمدينة طنجة سنة 1938 في حي الحافة وبها نشأت في أحضان أسرة مغاربية. والدها طنجاوي هو السيد عبد السلام بن العربي العوامي، ووالدتها هي السيدة رحيمو الهسكوري التي تنحدر من أصول جزائرية، ولدت في طنجة بعد استقرار والدها بها الذي كان قد هاجر وأسرته من مدينته وهران إلى طنجة في بداية القرن العشرين، وقد عرفت أسرة البتول في وسط حيها بالحس الوطني والوطنية الصادقة كجل المواطنين ماضياً وحاضراً.

انخرطت البتول في العمل الوطني في سن مبكرة وهي لازالت تلميذة بمدرسة القصبة للبنات التي تخرجت منها في سنة 1952 حاملة الشهادة الابتدائية. وفي مطلع الخمسينات إبان الفترة الدولية بطنجة كانت حاضرة في جل التظاهرات والاحتجاجات المنظمة من طرف الحركة الوطنية التي تنطلق من السوق الداخلي مركز التجمعات الشعبية نحو ساحة السوق البراني والبتول مرفوعة على أعناق الشباب رافعة صوتها بعبارات حماسية تلهب مشاعرهم. كما كانت تتسلل وحيدة تحت جنح الظلام بين أزقة المدينة القديمة ودروبها الضيقة تخفيها ظلمة المكان وسكون الليل عن أعين الرقباء، لترسم على الجدران صيغ كتابية تعبيرية وتحريضية تدعو فيها إلى التعبئة النضالية الجماعية.

في مظاهرة 30 مارس 1951 أصيبت بجروح بليغة بسبب تعرضها للضرب من أحد عناصر البوليس الدولي أمام بناية المندوبية بالسوق البراني نقلت إثرها للمستشفى الإسباني لتلقي العلاج.

كما كانت لها مشاركة فعالة في أكبر مظاهرة عرفتها مدينة طنجة في فترة حرجة من تاريخها النضالي، حدثت يوم 30 مارس 1952 بمناسبة الذكرى الأربعينية لتوقيع عقد الحماية على المغرب، والتي خرج فيها أهالي المدينة رجالا ونساء، وبعد نفي ملك البلاد الشرعي المغفور له جلالة الملك محمد الخامس كانت مشاركتها تتجلى في توزيع المناشير السرية والجرائد المحظورة الصادرة عن الأحزاب الوطنية، وكذا الوثائق السرية والبلاغات السياسية التي تدعو فيها إلى الإضرابات والتجمعات الشعبية، وتنظيم المظاهرات.

وقد أسهمت السيدة البتول في تكوين خلايا نسائية سرية في الأحياء الشعبية والإشراف عليها دعماً للعمل الوطني، بتنسيق مع أعضاء الأحزاب السياسية. «وقد شهدت المدينة في الخمسينات انخراط العنصر النسوي بدوره في العمل السياسي، حيث أقدمت الأحزاب الوطنية على تكوين خلايا نسائية من الأحزاب لتتكفل بدورها بالعمل السياسي إذ أكد مراقب الشؤون الشريفة أن سنة 1955 شهدت العديد من الأنشطة النسائية ذات الطابع السياسي التي كانت تعقد بدورها العديد من اللقاءات» (1)
وقد كان منزل والد البتول المرحوم عبد السلام العوامي مقراً لعقد الاجتماعات السرية للأعضاء المنخرطين في الأحزاب الوطنية آنذاك بالمدينة.

«إذا كان من تاريخ لتكثيف نشاط التجمعات السياسية بالمدينة فهو بالتأكيد بعد سنة 1953م سجلت تقارير البوليس الدولي بالمدينة العديد من التجمعات السرية التي عقدت في منازل بعض العناصر الوطنية المستقرة في المدينة» (2).

في سنة 1956 وبعد حصول المغرب على الاستقلال وعودة الملك محمد الخامس إلى عرشه ووطنه، تم استقبال جلالته لنخبة من نساء الشمال المغربي المناضلات بالقصر الملكي العامر بالرباط كان من بينهن السيدات البتول بن العربي العوامي، فاطمة بنيحي، السعدية بوصوف، البتول أحرار، شمس الضحى بوزيد، حبيبة طرشين، أمينة بلقاضي، ورقية السنوسي… اعترافاً من جلالته بحضورهن القوي في معترك الوحدة والاستقلال.

في نفس السنة أي سنة 1956 التحقت بإذاعة راديو إفريقيا (تأسست سنة 1937) حين كان المرحوم الأستاذ محمد أجنوي (1978) رئيساً للقسم العربي بها (3) فأسندت إليها مهمة التذييع إلى جانب الإعلامية الكبيرة الأستاذة أمينة السوسي زميلتها في مدرسة القصبة بطنجة التي تقول عنها «بأنها كانت مذيعة لها مكانتها، صوتها عذب وجذاب فيه (حتان زائدتان من الأنوثة) هي التي لعبت دور (الصافية) في أول مسلسل إذاعي بالمغرب «القايدة طامو» وقد انسجم هذا الدور مع شخصيتها» (4) وكان ذلك سنة 1959، بعد مغادرتها للإذاعة سنة 1957 والتحاقها بقطاع الصحة العمومية بطنجة، وفي سنة 1996 أنعم عليها جلالة الملك الحسن الثاني بوسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الثانية، قبل إحالتها على المعاش سنة 1998. واعترافاً بمسارها النضالي في الحركة الوطنية وتم توشيحها بوسام المقاومة وجيش التحرير من طرف المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير بتاريخ 09 أبريل 2015 بمناسبة تخليد ذكرى الزيارة الملكية لطنجة سنة 1947.

توفيت المناضلة المرحومة البتول العوامي يوم الأربعاء 18 شوال 1438 موافق 12 يوليوز 2017 عن سن يناهز 79 سنة، وبرحيلها طويت آخر صفحة من صفحات تاريخ نساء طنجة المناضلات اللائي أدين ضريبة حب الوطن إلى جانب الرجال كانت البتول إحداهن لكن سقطت أوراق قصة نضالها السري والعلني من الذاكرة الوطنية، فعاشت تصارع الزمان وألم المرض والحاجة والجحود تنتظر الموت البيولوجي بعد الموت المعنوي، وظلت واقفة على الرصيف تستجدي التاريخ لعله يشهد لصالحها فلم يجد سطراً واحداً فارغاً يسجل فيه اسمها على هامش دفتر إحصاء المقاومات، فانمحى اسمها وأسدل الستار على آخر فصل من فصول حياتها.

جزاك الله أحسن الجزاء على ما قدمت من تضحيات في سبيل وطنك وأسكنك فسيح جناته.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

*******
الفهرس :
(1) كتاب: طنجة في معترك الاستقلال 1956-1945م، ص163.
المؤلفة: زينب حمودة
الناشر: المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير الطبعة الأولى 2016.
(2) نفس المرجع. ص 164-163.
(3) مجلة الثقافة العصرية، العدد 6 و7 في عدد ممتاز، غشت – سبتمبر 1952.
المطبعة المهدية – تطوان – المغرب ص 24.
(4) جريدة الشمال عدد 344، الثلاثاء من 07 إلى 13 أكتوبر 2006، مقالة: أمينة السوسي تتذكر إذاعيات من الشمال، ص 9.
.

 

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر