سقط القناع وانتهى الكلام..

جريدة طنجة – محمد العمراني (بن كيران لصالح من كان) 

بعد تظاهُرات 20 فبراير، والمصادقة بما يشبه الإجماع على دستور فاتح يوليوز 2011، منح المغاربة أصواتهم لحزب العدالة والتنمية، إيمانا منهم بقدرة هذا الحزب على تنزيل ما وعد به من إصلاحات، خاصة وأنه كان حـزبــًا لازال يحافظ حينها على عذريته السياسية..

وبعد دُخـــول بنكيـران رحــاب المشور السعيد مُنتشياــــ بما أفرزته صناديق الاقتراع، التي حملت حزبه لأول مرة منذ التأسيس إلى مركز القرار، انتظر الشعب بشغف كبير القرارات الكبرى التي ستنصف الطبقات المسحوقة، وستضع حدا للريع واستغلال النفوذ، وستصلح الإدارة التي نخرها الفساد…

وما ذا كانت النتيجة بعد خمس سنوات من التدبير البنكيراني؟..
إغراق البلاد في المديونية..
تفكيك صندوق المقاصة، وتحرير أسعار المواد الأكثر استهلاكا..
الرفع من أسعار استهلاك الماء والكهرباء..
اثقال كاهل المقاولات و التـجار بالضـرائـب..

الابتعاد عن كل ما يزعج اللـوبيـــات التي كان يستهدفها في حملاته الانتخـــابية، حيث لم يسجل المغاربة ولو قرارا واحدا اتّخذه لتفكيك منظومة الريع، ولكبح جماح المفسدين..

الأفظع من ذلك، أن سي بنكيران بقدر ما أبدَع في استهداف جيوب البُسَطــاء من المـــواطنين، بقدر ما تفنن في لعب دور المعارض نهاية كل أسبوع، وداخل وخلال جلسات البرلمان المنقولة على المباشر، مستغلا قدراته المبهرة في فن الخطابة ودغدغة العواطف…
حتى أنه تمكن من إقناع عامة الشعب، أن بنكيران بريئ من كل القرارات التي اتخذتها حكومة هو من يرأسها، وكأن جهات خفية هي من كانت تقرر مكانه!.

العجيب في الأمر، أن سي بنكيران وطيلة الخمس سنوات لعب دور المدافع عن الدولة، وعن صلاحيات الملك، وعن صواب أسلوب تدبيره للشأن العام…
لكن، هل كانت تصريحات بنكيران العلنية تعبر فعلا عما كان يختلج قرارات نفسه من قناعات؟..
مبعث هذا التساؤل هو التحول الشامل والفجائي لبنكيران بعد إعفائه من مهمة تشكيل الحكومة، وتعيين سعد الدين العثماني، الذي ليس إلا الرجل الثاني في الحزب، بدله..

بنكيران تحول بقدرة قادر إلى أحد أشرس المعارضين بالمملكة، وبات يطالب بتعديل الدستور لتقنين سلطات الملك، وهو الذي كان بالأمس القريب يهاجم كل من ينادي بفصل السلط وتحديد المسؤوليات!..

إن إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة أماط اللثام عن تعطش كبير لقيادات هذا الحزب للسلطة، و التموقع في مربع القرار..
كل المؤشرات تفيد أن الإخوان في حزب المصباح ماضون للإنجرار إلى حرب أهلية، قد تعصف بمستقبل هذا الحزب بعد أن انشق إلى معسكرين: معسكر الوزراء ومعسكر المطرودين من جنة السلطة والنفوذ..

كل المبررات التي كان يسوقها بنكيران بالأمس لتبرير استمراريته في رئاسة الحكومة أصبحت اليوم مبررات لإسقاط الحكومة، والمطالبة بإصلاح دستوري لتقنين صلاحيات الملك حتى لا نقول تقليصها…

بعد هذا التطاحن الذي انزلق إليه الإخوة في حزب كان أمل الشعب المغربي لاستكمال مسار الديمقراطية، وبناء دول الحق والقانون، هل يستحق اليوم أن يحضى باحترام المغاربة بعد أن خذلهم مرتين:
مرة عندما انقلب على وعوده وأخلف التزاماته عندما كان بنكيران يترأس الحكومة، ومرة ثانية عندما انخرط قياديوه في حرب شاملة من أجل التموقع داخل الحكومة..

تأكد للشعب المغربي أن ما يهم قياديي حزب المصباح هو الحفاظ على مواقعهم في مركز القرار، فتيار الاستوزار وتيار المطرودين من رحمة الحكومة هما في الأصل وجهان لعملة واحدة، وكلاهما حريص علي الاستفادة من الظلال الوارفة للجاه والسلطة…
إن الوقائع تؤكد أن أخر اهتمامات هذا الحزب هي محاربة الفساد، و استكمال مسلسل البناء الديمقراطي، والانتصار لمطالب الشعب المغربي في تحقيق العدالة والكرامة، بل يتبين بالملموس أن هدفه الأسمى هو البقاء في موقع القرار والتغلغل داخل شرايين الدولة وإحكام قبضته على مفاصل المجتمع…

إن حزب العدالة والتنمية مطالب اليوم بإحداث مراجعة جذرية لمرجعيته، ومشروعه المجتمعي، ووضع مصلحة الوطن والمواطنين فوق مصلحة الوطن والجماعة، فبلادنا اليوم تعيش تحولات حاسمة، هي في أمس الحاجة لرجال دولة، وليس للطامحين إلى الوصول للسلطة من أجل تحقيق نزوات عابرة… .

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر