من المسؤُول عن طمس الهُوية المغربية عن مدينة أصيلة؟
جريدة طنجة – م.الحراق (اختفاء السقايات من أصيلة )
ككل المدن المغربية العتيقة عرفت مدينة أصيلة تعاقب عدة حضارات بدءا بالفنيقيين مرورا بالرومان وإنتهاء بالإسلام وما رافق ذلك من فترات احتلال البرتغاليين والإسبان لهذه المدينة.
وقد حافظت مدينة أصيلة كبقية المدن العتيقة على طابعها المعماري الإسلامي الأصيل، رغم دخول الاحتلال إليها، ورغم تهجير سكانها الأصليين منها إبان الحروب المتتالية التي جرت ما بين السعديين والبرتغالييين لاحتلال هذا الثغر الذي كان يشكل موقعا استراتيجيا بالنسبة إليهم في تلك الحقبة من تاريخ المدينة الحافل، وذلك عن طريق تحصين المدينة بالبروج والأصور المنيعة، التي لا زالت إلى اليوم شاهدة على ذلك.
ورغم عملية إفراغ المدينة وتهجيرسكانها من ديارهم إبان الحملات البرتغالية المتتالية عليها، حيث تعرض سكانها للهجرة ثلاث مرات ظلت مدينة أصيلة محافظة على طابعها المعماري الأصيل، إلى جانب عاداتها وتقاليدها، كمدينة لها مقومات المدن الإسلامية العريقة، حيث كان يوجد بها العديد من المساجد والزوايا يذكر فيها اسم الله، وحسب سكان المدينة العتيقة كان يوجد في كل درب من دروب أصيلة إما مسجدا أوزاوية من الزوايا الصوفية إلى جانب العديد من الأفران التقليدية والحمامات، ودكاكين وقيسارية لبيع الألبسة والحلي من ذهب وفضة، الواقعة بساحة زاوية سيدي بنعيسى والتي لا تزال إلى اليوم تقاوم رغم مرور السنين، حيث كان أغلب تجارها من اليهود، الذين كانوا يتعايشون جنبا إلى جنب مع سكان المدينة المسلمين، حيث كان لهم معابدهم وحماماتهم وأفران لطهي كل ما يعجن من خبز وما يسمونه ب “الرقاقة” و”كاليينطي” المصنوع من دقيق الحمص (وهي أكلة يهودية وليس كما يدعي البعض إسبانية) إلى جانب “الحلويات المتنوعة” وغيرها استفادت منها إلى اليوم نساء المدينة.
ومن المعالم التاريخية المعمارية التي انقرضت بهذه المدينة العريقة ما يعرف في المدن المغربية العتيقة بالسقايات، حيث أن مدينة أصيلة كانت تتوفر على العديد منها، كانت موزعة في أهم أحياء المدينة القديمة، تتميز بدورها الاجتماعي، حيث كانت تلبى حاجات الماء للسكان الذين كانوا لا يتوفرون على آبار المياه، فكانت هذه السقايات الملاذ لهم لإشباع حاجياتهم من المادة الحيوية، وحسب سكان المدينة العتيقة فقد تم القضاء على العديد من هذه السقايات كانت آخرها، السقاية الكبرى التي كانت توجد في ساحة زنقة سيدي امبارك حيث توجد حاليا حاوية لرمي النفايات (انظر الصورة 1)،
ودائما حسب أحد سكان المدينة العتيقة، هذه السقاية من أكبر وأجمل سقايات المدينة وكانت تتوفر على ثلاث أو أربع حنفيات كان ماؤها يطفئ لهيب حر الصيف، وفي الشتاء يكون دافئا، ومن المرجح أن تكون تستمد مياهها إما من بئر قريب منها – وما أكثر الآبار داخل المدينة – أوعين من عيون الماء،حيث يمكن أن تحفر متر واحد في ألأرض تصلك ينابيع الماء، وقد توجد منابع الماء ممتدة حتى إلى صخور البحر حيث توجد عين تم غلقها (قرب بوابة باب البحر – حيث تقول أساطير زوالش أن كرستوبال كولومبوس شرب منها وتزود بالماء قبل مغادرته لاكتشاف أمريكا – كما توجد عدة ينابع الماء في حجرة سيدي ميمون و في الشاقة قبل أن يبنى الميناء أو في القريقية) ، توجد هناك عيون من المياه كانت كلها عذبة، كنا نشرب منها عندما يدركنا العطش ونستحم من مائها عند انتهائنا من السباحة في البحر – يضيف هذا الزيلاشي – وكانت هذه السقاية مرصعة كلها بالزليج وبالفسيفساء (انظر الصورة 2)
وهي صورة مقربة للسقاية التي كانت بهذا الحي – كان يغلب على زخرفها اللــــونين الأبيض والأزرق لون المنطقة (أو شعار المنطقة)، إلا أنه وفي نهاية الستينات أو في مطلع السبعينات تم القضاء على هذه السقاية التي كانت آخر تحفة فنية من التحف المعمارية بأصيلة التي تم اغتيالها في واضحة النهار وبأيدي من يدعون أنهم أبناء هذه المدينة يغيرون عليها.
ويتساءل هذا الزيلاشي في الأخير من المسؤول عن طمس الهوية المعمارية لمدينة أصيلة، ويناشد في نفس الوقت المسؤولين عن المجلس الجماعي لمدينة أصيلة وعلى رأسهم عمدة المدينة أن يعيدوا سقايتها، وهم بذلك سيساهمون في إرجاع تحفة من التحف التي كانت قد فقدت إلا أنها لازالت حية في ذاكرة من عاشوا وعايشوا فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وبالتالي ستسهم في إضفاء رونق على جمالية المدينة العتيقة، وستساهم في إغناء تراثها المعماري، وّ خاصة أن مدينة أصيلة تعرف بأنها مدينة سياحية بامتياز..