“حُقوقُ الإنسانْ، أضْعفُ الإيمانْ”

جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( اراء ) 

سجلت الفترة الوقتية الأخيرة بمنطقة الريف، كما في عموم البلد، تسارعا ملحوظا للأحداث و التفاعلات و الانفعالات، احداث انطلقت بشكل كثيف مع مصرع بائع السمك محسن فكري قبل أزيد نصف عام في ناقلة آلية للقمامة، في ظروف أعقبتها محاكمات و عقوبات، استساغها البعض و استهان بها آخرون.

منذ تاريخ وفاة الراحل محسن لم تنفك الأحداث عن التّتالي، بوتيرة تسكن تارة و تتسارع تارة ثانية، وذلك في خضم أجواء متبلدة طغت على المنطقة طيلة فترة ما بعد الاستقلال، أجواء لم تفلح بشكل تام تغييراتُ العهد الجديد في الحد قتامتها إلا بشكل جزئي لم يلامس جوهر الإشكال المعقد الذي يطبع علاقة سلطة المركز السياسية بثقافة محيطها الواقع على هامش انشغالاتها المركزية.

في خضم تلك الأحداث، وقد اكتست طابع الدراما في أكثر من محطة، لم يتخلف أحد عن الإلقاء بدلوه و بيانه و الإدلاء برأيه و بلاغه، و في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب و الجماعات تبسط آراءها و مواقفها إزاء الوقائع، كان المخزن، أو الدولة وفق التعبير المعاصر، يمارس صلاحيات الردع و المقاضاة و الحجز و المحاكمة و التبرئة و الإدانة، سائرا في سبيل ذلك وفق إجراءات مختلفة و مساطر متنوعة، تارة جنائية و أخرى مدنية.

كان لابد، و الحالة ما ذكر، أن تنبري المنظمات التي اختارت لنفسها حقوق الإنسان مضماراً للتباري و الدفاع، و مجالا للاستدلال و الإقناع، لتعبر عما يعتريها من مشاعر و مواقف و تصورات و طرائف، إزاء طبائع الاعتقال بالمملكة و أحوال النزلاء بسجن عكاشة و غيره من محابس الدولة، فقد اجتهد بعضها و نال الإصابة، و أخفق بعضُها و لم يُدْرِك الغايَة، ومهما كانت جدية تلك المواقف و الشهادات و انسجامها مع المواثيق و الإعلانات، فهي في النهاية صادرة عن ذوات إنسانية لا تتحلى بخاصية التنزيه و الكمال، فتلك من خصائص الذات الإلهية لا البشرية.

لعل مواقف قادة الحراك الريفي من المنظمات السياسية و الإطارات النقابية و الحقوقية كانت بارزة و لا تعلوها ذرة غبار، فقد حشدوا جميعها تحت مسمىًّ واحد و أطلقوا عليه وصف الدكاكين و البقالة، وكان لتسميات كهاته، تنتمي لقاموس التجارة لا لمعجم القانون و السياسة، وقعٌ ليس بالطيب على قادة هاته المنظمات و منتسبيها، و اعتبروه تسفيها و لغوا غير ذي أساس، تبطل به مزاعم الحرية و الديموقراطية .

الواقع أن إحدى هاته المنتديات الحقوقية، المرابطة بشمال المغرب، قد اجتهدت في موضوع اعتقال حراكيي الريف و ذلك على قدر عزمها و عزائمها، فصاغت في سبيل ذلك مقترحات و مطالب، اتفقت فيها كما قيل، و ربما كان ذلك بطريق الصدفة، مع مقترحات قدمتها منظمة سياسية يحسبها الناس على جهة اليمين المعارض، لكن اجتهاد المنتدى الحقوقي لشمال المغرب لم يُعِرْهُ الناس كامل الاهتمام و ظل حبيس الأدراج و سجين النقاشات اللامتناهية، و فضلا عن ذلك، فقد أنتجت هذه الاجتهادات نيراناً “صديقة” فضلا عن المعادية، ففي أوج الاعتقالات و المحاكمات، بادر “المنتدى” للعمل وفق طاقة قادته “المحليين”، و انتدب محامين للدفاع و المرافعة، و أصدر مقاربته للأمر و وصفته لمعالجة مضاعفاته الآنية و المستقبلية، لكن ذلك كله لم يكن كافيا لإقناع القادة “الدوليين”، فقد عبر أحد هؤلاء عن استقالته “النهائية” من هياكل المنتدى بعد تجْميدٍ قارَبَ السنة، بل و اعتبر الاشتغال من داخله لا يشرفه في شيء، فهو جسد بدون روح، قبل أن يعلن للعموم أن “معركة الديموقراطية و حقوق الإنسان ستتواصل خارج أسوار المنتدى”.

إن وقائع كهذه تكشف أن “خللا” ما قد اعترى التنظيمات “الحقوقية” المغربية، فلا يجوز للمنتدى، فقط من جهة المنطق لا غير، أن يحصر اهتمامه بحقوق الإنسان في حدود شمال المغرب، و يتخذ لنفسه، مع ذلك، “منسقية بأروبا”، إن ذلك يكشف حقيقة ثابتة، هي أن التنظيمَ مُنْتَدىً يشتغل بمنطق و “إكراهات” السياسة داخل البلد، وقادته خارج البلد، يشتغلون من أجل السياسة، و لا غرابة في ذلك فأصول الجميع مدرسة سياسية لم تعرف كيف تنتج حزبا سياسيا جماهيريا، فاكتفت بحقوق الإنسان ،أضعف الإيمان. …

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر