“دُعاء كُريْبانْ و صَرْع الجانْ !”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( الاعلام )
اعتاد الصحافيون الاحتفال بيوم يُقال إنه خصص ذات ثالث “أيار” من العام الواحد و التسعين من القرن الفائت، للاحتفاء بحرية الصحــافة.
بحسب “حَيثـيـات” اليوم المعلوم، فقد خُصص الأخيـر للاحتفـاء بمبــادئ حريـة الصحـافـة و تقييم أحــوالها في أنحاء العالم، كما الدفاع أيضا عن وسائط الإعلام ضد ما سُمي “هجمات تُشن على حريتها”.
احتفال “الصُّحفجية”، حسب تسمية الشيخ إمـام، هـذا الحَـوْل، يتزامن عادة مع تذيـُّل المغرب قوائم التصنيفات المُتعلقة برصد حدود و مدى احترام هذه الحرية المفترى عليها كغيرها من المفاهيم.
الواقع أن هذه التصنيفات عادة ما يجري إعدادها بحسب هوى القائمين عليها و اعتمادا على معطيات تتدافع فيها الإحصاءات و الاستنتاجات مع المغالطات و المبالغات. لست هنا بصدد محاكمة نوايا مُعِدِّي هذه الترتيبات “السلبية” تجاه المغرب، بل بصدد “تنبيه الغافلين” إلى أن “حرية الصحافة” قد تحررت فعلا من أوزار الرقابة و المنع و لم تعد، على الأقل في حالة المغرب، بحاجة إلى من يدافع عنها، بل هي، على الأرجح، في حاجة إلى من “يُقوِّمُ” اعوجاج سلوكها و يوجه انحرافاتها اللّاأدبية نحو الصراط “المستقيم”.
من بين الشعارات التي رفعتها اليونسكو واحد يقول :”عقول متبصرة في أوقات حرجة”، مع ما يرتبط بهذا الشعار المتهالك من أحاديث نمطية عن دور الإعلام في بناء المجتمعات السلمية و تشييد الأسس العادلة والشاملة للجميع، وبالطبع، مع ما يضاف إلى ذلك مما اعتاده الناس من بهارات تُتَبَّلُ بها المقالات الصحفية و التحليلات الإخبارية.
الحقيقة أن إعلان “ويندهوك” نص على أنّ حرية الصحافة لا تتحقق إلا بتحقيق بيئة حُــرّة و قــائمة على التعدّدية، وهو شرط مِسْطري تحقق في “نازلة المغرب” منذ واقعة تحرير السمعي البصري، ولم يعد “التحرير” بذلك غائبا، أمام انتشار أحواض الترددات على امتداد جغرافيا الوطن.
إن تقويم “الاعـوجـــاج السمعي”، الذي لحق إعلام المغرب في عصر “التحرير الراديوي”، يستدعي “هجمة إعلامية شرسة” لحماية هيبة و وظائف الإعلام التي انحدرت إلى الدرك الأسفل؛ و بدل حماية وسائط الإعلام، التي يدخل الراديو في جنسها، يجب “قمع” تردداتها و تجفيف أحواضها من الأدران الاستماعية، اعتبارا لجسامة المغالطات التي أصبحت الإذاعات الخصوصية بوقاً لها.
قبل أسابيع، استمعت بالصدفة لبرنامج تذيعه إحدى المحطات الإذاعية، يُكنّى مُقدمه بالطيب، وحدث أن اتصل به أحدهم عارضا أنه عامل بضيعة زيتون وأنه تعرض لاعتداء و أن العدالة لم تنصفه و لم ينْسَ التذكير، على الهواء، أنه “تشرف” كذا مرة بزيارة السجن في أكثر من مناسبة، و استمر في سرد ادعاءاته ؛ فيما انطلق الدكتور كريبان، كما يُلقب، في الهلهلة و البسملة، قبل أن يذكِّر بحديث قد يكون رواه “أبو هرّ” مفاده أن الأفضل للمؤمن أن يكون في “موقع المظلوم” بدل أن يكون في موقع “الظالم”، و أن يثق في القانون “السماوي” بدل القانون الوضعي، و رغم أن هذه “الفتوى الدينية” مبرِّرَةٌ للاستكانة و التخاذل عن نصرة الحق، قد يجوز التغاضي عنها، لكن أن يتطاول الدكتور المزعوم و الواهم السيد “طيب كريبان” و ينتقل للإفتاء في العلوم الطبية فهذا ضرب من الشعوذة الخارقة للعوائد. فقد زعم هذا الدكتور، الذي لا يُعلم موضوع “أطروحته” و لا يُعْلم التخصصُ الذي حاز فيه هذه الشهادة، زعم أن العلم، و لا يدري أحد أي علم من العلوم هو، أثبت أن الإصابة بأمراض معينة لا يمكن تفسير سبب الإصابة بها عبر الوسائل و البحوث المخبرية، قبل أن ينتهي بالقول إن الإصابة قد تحدث بسبب الإصابة بما سماه”مساًّ شيطانياً”.
لست أدري من أي جـامعــة تخرج هذا البهلول، لكني أعلم أن القناة الإذاعية التي تفتح منبرها، في غفلة دائمة من الهاكا، لمثل هؤلاء المعتوهين تستحق أقصى عقوبة تأديبية، لأنها أنتجت جيلا من الطلاب “الباحثين” في اسلاك الجامعة المغربية، يعولون في نجاح اختباراتهم بالدرجة الأولى على الدعاء المستجاب للدكتور كريبان !
لا عجب إذن أن يظهر للناس في مدينة طنجة، التي كانت دولية ذات يوم، شيخ يعلن بكامل صراحة أنه متخصص في صرع الجان المتربص بالفتيات، و أنه يستعمل في ذلك أدوات لم تدركها عقول العجم و لا البربر،و أنه، تعبيرا عن حسن نيته، “يتطوع” للقيام بعمليات “الترويض” الطبي لضحايا الجان، و الترويض، في مفهوم الشيخ الفيزازي، يعني إتيان الفتاة أنى شاء و الاكتفاء بالفاتحة، لكن دون إغفال الحبة الزرقاء.
لا إلاه إلا الله .. ..