
الزواج : المالكية يشترطون التوثيق، الأحناف يشرتطون فقط الإيجاب، وانقسام الشافعية بين هذا وذاك، وإن كانوا لرأي المالكية أقرب
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( الزواج في الإسلام )
• “أريدك زوجـة صــالحة فيمـا يُـرضـي الله، زوِجيني نفسك على الفاتحة المباركة”
• “زوّجتك نفسي، لنـقرأ الفـاتحة و نـوثّــق زواجنــا أمــام الله”
• “أنــا قبلت بـبركة الفـاتحة”.
“نكاح الفاتحة”، هو عبارة عن إتفاق بين الزوج وأسرة الزوجة، على تزويجها له بدون أوراق رسمية، ويستوفي الجانب الشرعي بالإشهار، وقراءة سورة الفاتحة أمام أهل العروسين وجيرانهم، ويتم ذلك عامة في المناطق القروية بشكل أكبر بالمغرب.
جعل القانون المغربي سن الزواج بالنسبة إلى الذكور والإناث 18 عاماً، واشترط الحصول على إذن من القاضي لتزويج الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 16 و18 سنة، فيما منع القانون الفتيان من الزواج قبل ذلك، في وقـــت تطالب المنظمات النسائية الحقوقية، بمنع الفــتيات من الزواج قــبل الثــامنة عشرة وتجريمه.
لكن مجموعة من الدراسات البحثية أكدت أن الظروف الإجتماعية والإقتصادية جعلت الشباب غير مقبلين على الزواج أصلاً، وذلك بسبب البطالة وانسداد الآفاق، إضافة إلى ارتفاع أرقام العزوبية في صفوف الإناث بحسب المندوبية السامية للتخطيط التي كانت كشفت في تقرير لها أن نسبة النساء العازبات في المغرب تصل إلى أكثر من ستة ملايين، تتراوح أعمارهن بين 15 و29 سنة، فيما تصل النسبة إلى 67 في المئة في صفوف من تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة، وإلى 54 في المئة بين من تتراوح أعمارهن بين 25 و29 سنة. واللافت أن عدول العزوبية لدى من تجاوزوا الـ55 تضاعف في السنوات العشر الماضية، وهو ما بات غير مرغوب فيه أبداً.
إلا أن هذا لم يمنع من تعدد طرق الزواج لدى الشباب المغربي بحسب تنشئتهم الإجتماعية وقناعاتهم الفكرية، واختياراتهم الشخصية. فالبعض يوكل أمر الإختيار إلى الأم، فيما يتخذ آخرون من علاقات التعارف خلال الدراسة أو العمل فرصة للزواج، لكن بعض الشباب والشابات اختاروا العيش تحت سقف واحد من دون عقود زواج على النمط الغربي، فيما اختار بعض المتشبعين بالفكر السلفي في زمن تعقد الحياة الإجتماعية، وغلاء المعيشة «زواج الفاتحة» إشباعاً لرغباتهم الجنسية ولكن أيضاً مخافة الوقوع في الحرام على حد زعمهم، أو هروبا من القاعدة القانونية لتعدد الزوجات والتي تفرض الحصول على إذن موقع من طرف الزوجة الأولى.
ويبدو أن دعاوى ثبوت الزوجية بموجب القانون 102.15 المتعلق بتعديل المادة 16 من مدونة الأسرة لمدة خمس سنوات أخرى تمتد إلى 4 فبراير 2019، تجعل الأصل في إثبات العلاقة الزوجية هو عقد الزواج المكتوب للقضاء على ظاهرة «زواج الفاتحة» الذي تواجهه القاصرات.
ولا يزال هذا الزواج منتشراً في أنحاء كثيرة من المغرب، لكن تطبيق المادة وفق الناشطين الحقوقيين أفرز واقعاً معاكساً، إذ تحولت أداة لشرعنة «الزواج العرفي» والتحايل على القانون من خلال تشجيع تعدد الزوجات وتزويج القاصرات، ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع على القضاء.
في المغرب قبل أسابيع ظهرت فتاة تدعى “حنان” على كل شبكات التواصل الإجتماعي، وهي شابة تنحدر من منطقة بعيدة، بالضبط من مداشر “سبت كْزولة”، تفضح شيخاً سلفياً معروفا بتعدد الزوجات، خطيب في أحد مساجد طنجة، صلى خلفه ملك البلاد في لقاءات سابقة، قالت حنان، وهي تنشر صورها على مواقع التواصل الإجتماعي، إن الشيخ تزوجها بالفاتحة فقط، مستغلا فقرها، وجهلها، مستعملا الدين والقرآن، مستعرضا صوره مع الملك و”إنجازاته” وفحولته، للتغرير بها، والدخول بها في صالون بيت أهلها، بعد أن تناول حبة “الفياغرا” حسب ما قاله والد حنان، في إحدى الإذاعات المغربية.

سبب خروج حنان للإعلام والصحافة، هو تخلي الشيخ عنها، حسب ما قالته، ومعاملته الحاطة للكرامة لها، وسوء تعامله، بعد أن كان يقضي وطره معها، في إحدى الغرف التي يخصّصها لذلك داخل بناية جمعية أسسها بمدينة طنجة.
أمل، من مواليد 1995، تشتغل منسقة بإحدى الشركات، تقول: “أعتقد أن الزواج بالفاتحة هو زواج بهيمي، لا يحترم معايير الدين من توثيق وشهود وإشهار للعلاقة، فهو يلقي بالمرأة في براثن متاهة قد تترتب عنها عواقب وخيمة، ولأننا -شئنا أم أبينا- نعيش في مجتمع ذكوري، المرأة هي الملامة في نهاية الأمر، وتبقى الأصابع تشير إليها بالسوء”.
تقول طالبة كلية الطب، أمل (21 سنة) ردا على سؤالنا حول رأيها في موضوع الزواج بالفاتحة: “الزواج بالفاتحة، يبدو أن هذين المصطلحين غير متناغمين وغير قابلين أن يوضع أحدهما بمحاذاة الآخر، لأن الزواج يحتاج أداة واحدة لتثبت مشروعيته بشكل قانوني، بغض النظر إن كانت تسمية العقد صحيحة أم لا، تلك الوثيقة الموقعة من الطرفين هي الوحيدة التي تثبث الزواج.. أيا كانت مرجعية الزوجين، أقصد هنا إسلامية أو غيرها..
“الفاتحة لا تشرع الزواج، لكنها تشرع النكاح وأظن أن بين المفهومين هوة عميقة، والذين يلجؤون إليها غالبا ما يكون دافعهم الرئيسي، عدم استيفائهم للشروط القانونية، مثلا الفتاة لم تبلغ بعد الثامنة عشرة من عمرها، أو أن الرجل متزوج سلفا، ولم ترض أن تمنحه زوجته الأولى الموافقة على التعدد، حينها فقط تصبح الفاتحة هي الحل الذي يفتح لهم باب غرفة النوم ويقيهم شر حراس العقيدة الذين سيتهمونهم بالزنى” تقول أمل.
و تضيف، “أعجز عن فهم هذه المسمّيات التي تسلب الزواج فحواه وتضرب عرض الحائط كل الأحاسيس الإنسانية التي تبنى عليها العلاقة الزوجية.. الجنس هو العمود الفقري لأي علاقة بين اثنين، حين يكون التراضي طبعا قائما بين الطرفين، لا يهم حينها هل قرأ الإثنين الفاتحة قبل ذلك أو وقّعا عقدا.. وأظن أنه لا توجد امرأة تستطيع أن تؤمِّن رجلا على نفسها، وهي لا تثق فيه وتضع مع توقيعها ذاك احتمالية وقوفها ضده يوما ما داخل المحكمة.. يبدو الأمر صعبا جدا، أن أدلي برأيي تحت لواء منظومة أو مرجعية لست مقتنعة بها أصلا”.
وفي تفاعله مع الملف، قال أحمد، طالب بسلك الإجازة المهنية (26 سنة): “الزواج كما أفهمه، هو مؤسسة مبنية على تعاقد إنساني بين اثنين، تضمن لهما مجموعة حقوق ومجموعة واجبات كامتداد لعلاقة إنسانية يجتمع فيها الرغبة في الآخر، الإستقرار، العيش المشترك وضمان استمرار المجتمع.
هذه المؤسسة تعد اللبنة الأساسية للمجتمع والحاضن المؤطّر لأجيال المستقبل، بل يمكن اعتبارها المدرسة الأولى لفهم معنى أن تعيش مع الإنسان الآخر، وتختبر رفقته لحظات النجاح والفشل.، الزواج إلتزامٌ تجاه الآخر وتحمّل للمسؤولية، تلك المسؤولية التي نتفرض أنها جاءت عن قناعة واختيار حر.
و يسترسل أحمد قائلا:” عندما نبحث في التاريخ أو ما يجري في واقعنا، نجد أن الزواج أنواع متعددة، ولا توافق بالضرورة الفهم الذي قدمته، لكن الذي شد انتباهي هو تفاعلات واقعي الحالي، التي كان بارزا فيه ما يسمى بزواج الفاتحة، هذا النوع بالضبط، أنظر إليه بشكل سلبي إن لم أقل أنني أرفضه، فهو يخالف بشكل كبير فهمي لمعنى الزواج والغايات المرجوة منه، حيث أنه لا يضمن حقوقا أو واجبات، ولا تجد فيه أي أثر مادي يثبث ذاك الإلتزام المطلوب تجاه الآخر سواء في حالة نشوئه أو انحلاله، و في مجتمعات أخرى تكون مصغرة أو من الزمن الماضي، قد يكون زواج الفاتحة مقبولا حين تكون معرفة وجود رابط في حد ذاته قوة مادية، لكن العالم بشكله الحالي يختلف عما سبقه وتفاعلاته أكثر تعقيدا وتركيبا، وهذا الزواج لا يضمن بأي شكل من الأشكال متانة هذه المؤسسة أو على الأقل المسؤوليات تجاه الآخر في حالة انحلالها، وهل فعلا كانت موجودة أصلا.
المرجع هو الواقع، وهو يخبرنا أن زواجا كهذا يكون المتضرر الأول منه هو المرأة، والأطفال ثانيا، إن كان لهم وجود، أصل الضرر يكمن في شكل علاقات المجتمع، حيث تعتبر المرأة الحلقة الأضعف والتي تتحمل جميع التبعات السلبية لغياب دليل مادي على حدوث هذا الزواج.
بالإضافة لذلك، يمكن أن يتطور الأمر في اتجاه آخر، وهو الإستغلال ذو الطابع الجنسي أو دعارة مقنعة باسم سورة الفاتحة يصبح فيها طرف هو المستغِل وطرف آخر هو المستغَل. الذي يثير الإستغراب، هو أن كثيرا ممن يتبنون المذهب المالكي يعملون عكس تعاليمه، فهو يعتبر كل أنواع الزواج التي لم توثق ولم تخضع لشروط معينة باطلة، وتجدهم أول المتعاطين لما يرونه باطلا، أذكر مثلا قضية الكوبل الدعوي وقضية الشيخ الفيزازي، هنا لابد من وضع السؤال، لماذا زواج الفاتحة مادم الإنسان قادر على ممارسة علاقة جنسية رضائية؟”…
يوسف المساتي، الإعلامي و الباحث في الفكر الإسلامي،، يقول: “تطرح مسألة الزواج بالفاتحة جملة من الحساسيات وذلك لأنها بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، حيث تخفي العديد من التمثلاث والتصورات وأنماط العلاقات سواء بين المرأة والرجل أو بين الرجل والمرأة والمؤسسة الفقهية أو تمثل الفقه للجنس والزواج وغيرها.
وإذا ما نحن تأملنا المقاربات الفقهية المحضة، سنجدها متسمة بالتنوع والإختلاف – كدأب الفقه في كل القضايا- بين رأي المالكية الذين يشترطون التوثيق، ورأي الأحناف الذين يشرتطون فقط الإيجاب، وانقسام الشافعية بين هذا وذاك، وإن كانوا لرأي المالكية أقرب، هذا التنوع لا يحكمه العنصر التشريعي، ولكنه في الواقع محكوم بالعنصر الإجتماعي والثقافي، ويخفي خلفه تمثل المشرع للعلاقة الزوجية وأساسا للغاية منها.
بالعودة إلى النص القرآني، نجد أن الزواج جاء مقترنا بالسكينة، إذ تلخص الآية الواحدة والعشرون من سورة الروم التصور القرآني للزواج والتي ورد فيها “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم من أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، بحسب منطوق هذه الآية، فإن وجود شريك تشترك معه في حياتك وتسكن إليه بما يعنيه السكون هنا من تحقيق للأمن والطمانينة النفسية والإنسانية أساسا، فهذا يعدّ من آيات الله في الكون وهو في نظري الشخصي أسمى تعبير إنساني عن مفهوم الزواج.
ويمكن أن نربطه هنا في هذا السياق بالنهي الشبه الصريح عن التعدد، في قوله “ولن تعدلوا ولو حرصتم”، إذ أننا إذا ما حاولنا قراءة التصور القرآني يمكن أن نخرج بقراءة جديدة للتعدد وللزواج، لكن هذا المفهوم الذي حاول النص القرآني التأسيس له يتلاشى بشكل كامل مع المؤسسة الفقهية التي جعلت الزواج مقرونا بالإستطاعة الجنسية والمالية، ستغيب القراءة الفقهية شرط السكينة النفسية والعدالة الواجب تحققها لدى الزوجين، والذين يعتبران من آيات الله لصالح قوامة الرجل واستطاعته الجنسية ويتحول الزواج إلى عقد نكاح عوضا عن عقد مودة ورحمة وسكينة وطمأنينة.
خلص الكلام، إلى أن الحديث عن الزواج بالفاتحة وشرعيته من عدمها سيظل نقاشا هامشيا وسطحيا، إذا لم يقدنا إلى إعادة قراءة النص الديني قراءة أكثر إنسانية ومساءلة الفقه الذكوري في إطار سياقاته التاريخية والإجتماعية، وأن نعيد للعلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة جوهرها القائم على السكينة والمودة والرحمة والطمأنينة قبل العقود الموثقة من عدمها وقبل الإستطاعة الجنسية والمالية فهناك الجوهر الإنساني”…