“محاربة الفقراء” ..
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( محاربة الفقر)
لقد جرت الكثير من المياه تحت جسر الدستور الذي اعتمده المغرب بُعَيْدَ الربيع الذي نُعِتَ بالعربي، و بغضّ البصر عن طبيعة هذا الدستور و طريقة إعداده، و ما إذا كان تعبيرا فعليا عن “إرادة شعبية حقيقية” أم أنه لم يكن سوى هبة من الحاكم و منحة من السلطان، فإنه، رغم ذلك، كان عاملا مساهما في الحث على إعادة صياغة بعض المفاهيم و “النظريات” السياسية، و لو كان ذلك بصورة محدودة و نسبية.
مع الدستور “الممنـوح”، توسعت اختصـاصـات السلطة التنفيذية، و أصبحَت تشتغل في كَنَفِ رئـاسة الحكومة بدل مجلرد وزير أول، و عرف المغرب شكلا من “الجهوية” ساهم، نظريا، في توسيع دائرة التنافس الانتخابي،كما أُحدثت، إضافة لذلك، مجالسُ أخرى للعناية بمرافقَ متنوعة. و ربما بفضل هذا “القانون الأعلى” تيسَّرَ للدولة استقطاب”إخوان العدالة” لخوض تجربة “الحكم” و “الحاكمية” من خلال مؤسساتها السياسية القائمة .
ربما كان التحاق “الحزب الدّيني”، الذي اختـار “العدالة و التنمية” عَلَماً له، تعبيرا عن “انفتاح سياسي” قد يمهد مستقبلا لتصالح محتمل للدولة مع التيارات السياسية الأكثر “عنفوانا”، لكن الرصيد الذي راكمه البرنامج الحكومي طيلة فترة الولاية، وهي ما تزال قائمة، كان مجرد أصفار على الشمال، و لربما كان هذا “الرصيد” من الأسباب التي جعلت “المرصد الملكي” يتنبأ باقتراب حلول موعد الزلزال.
إن المعضلة المزمنة التي لم يُقدَّر بعْدُ للمغرب،كمثله من البلدان، أن يُفْلت من قبضتها، هي مُعضلة التوزيع غير العادل للثروة. لقد كانت “الثروة” على الدوام موضوعا شغل فكر الانسان، ذلك الحيوان السياسي، منذ بدء الخليقة، لا من حيث سُبُل خلقها فقط، بل من حيث طبيعة النُظُم القادرة على توزيعها بشكل “عادل”، و هو ما أنتج أنظمة تراوحت بين “العبودية” بدايةً، مرورا بــ “الإقطاع”، و انتهاءً ب”الاشتراكية” قبل الاستقرار في “اللبرالية” و ملحقاتها.
لقد احتفل العالم منذ أيام معدودة بما اتُّفِقَ على تسميته “يوما عالميا لمحاربة الفقر”، وكانت مناسبةً، “مُعْوِزَة” كما يبدو، للإعلان عن أن المغرب لم يحقق أي تقدم في محاربة هذا “الوحش” المدعو “فقرا”، بل إن منظمات أممية أعلنت أن زهاء نصف سكان البلد محرومون من الحقوق الأساسية كالتطبيب و الإقامة و التمدرس. و لعل المناسبة تدفع أيضا للتساؤل عن “طبيعة” السياسات العمومية التي انتهجتها الدولة، بواسطة الحكومة و مؤسساتها، من أجل إبداع أنظمة جديدة تحقق مطلب”العدالة” و تبلغ أهداف “الــتنمية”.
لقد نـاضلت البشرية، منذ ظهورها، من أجـل بلوغ مراتب الكمال و البحبوحة، أفراداً و طبقاتٍ، و انتقلت، تبعا لذلك، من نمط انتاج، بلغة ماركس، إلى آخر، وذلك قبل أن تستقر في نمط الانتاج الرأسمالي، لكن يبدو أن جميع الأنظمة الاقتصادية التي طورها الإنسان عبر العصور، لم تنجح قط في إبادة الفقر، لكنها لم تفلح أيضا في القضاء المادي على الفقراء، فقد احتفظ هؤلاء بوضعهم النظري كطاقة فيزيائية ضرورية لإحداث “الزلازل”.
هل نحن في حاجة إلى ثورة فكرية جديدة، تكون أساسا نظريا لبناء “نمط إنتاجي” جديد يحقق مطلب التوزيع العادل للثروة، و اعتباره الأداة الملائمة لطرد الفاقة عن الناس؟ أم أننا سنُحجم، كما العادة، عن إعلان الحرب الضروس ضد الفقر و ينتهي بنا الحال، كما قال الاقتصادي جاك تيرجو، إلى محاربة الفقراء؟..