إنها لغة أمة

جريدة طنجة – مصطفى البقالي الطاهري ( لُـغة أمّة ) 

إنَّهـا لًُغـة أمـة ذات دين و ذات حضارة و ذات رسالة خالدة حدودها من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي و من هذا المحيط إلى ما بعد هذا الخليج ، رسمت هذه اللغة في اثنين و عشرين دولة عربية و الباقي من الأمة رسمت كلغة ثانية ملتصقة بلسانها عند صلاتها و عند تلاوتها للقرآن و بمقدمة خطب الجمعة .

إنه مليار و أكثر من نصف مليار من البشر يستعمل هذا اللسان ما يميزه عن غيره ، الأمر الذي يحتم وجود رجال يستميتون من أجل حماية هذا الركن الأساسي في هذه الأمة .

فالإسلام المحمدي ليس فيه من يقتصر على الأكل و الشرب و الصلاة دون القيام بدوره كفرد يتحمل المسؤولية في التأثير و لعب الدور المطلوب لخدمة و تقدم مجتمعه الذي يتحمل فيه المثقف القسط الكبير من هذه المسؤولية ، فالمثقف الذي لا يركز سوى على مصالحه الخاصة لا يمكن إدخاله في إطار المؤمنين بالإسلام المحمدي ذلك أن أصحاب محمد الرسول ( ص ) كانوا جميعا يقومون بدورهم المجتمعي و لولا ذلك ما برح الإسلام ” يثرب ” و لقد كانت تعليمات و توجيهات الرسول الأعظم هي النبراس الذي تمسك به الرجال الأحرار و من تلك التعليمات و التوجيهات قوله :
” من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ” .

يقولون إن هذا الحديث ضعيف ، و العبد الضعيف يقول : إن معنى هذا الحديث هو لب و جوهر الإسلام، لأن الإسلام جاء لخدمة المجتمع و خدمة قضاياه .

و من بين قضاياه المهمة خدمة لغة القرآن و الدفاع عنها و حمايتها .. و لذلك كان لزاما علينا خلق جمعية من أجل القيام بواجب الحفاظ على اللغة النبوية و الدفاع عنها في مواجهة التغلغل الفرنكفوني الاستعماري المتجسد في زمرة من المستلبين المغيبين عن هويتهم المفتخرين بلغة الغير الاستعماري ، أولائك الذين يشتغلون ليل نهار في خدمة و تنمية و إشاعة لغة هذا الغير و في المقابل يعملون على محاربة اللغة النبوية بمنعها من اقتحام المجالات الأساسية في مجتمعنا على مستوى التعليم العالي مثل كلية الطب و الهندسة و العلوم و على مستوى جل الإدارات العمومية و الخاصة و على مستوى المحيط الاجتماعي و على مستوى الإعلام بينما العالم يحترم لغته و يفرضها في جميع مجالات الحياة كلها .

ففي فرنسا نجد الدولة الفرنسية مجندة ضد الغزو الثقافي الانجلوساكسوني و حريصة كل الحرص على الحفاظ على لغتها الرسمية الوحيدة و لتأكيد ذلك أصدرت قانون ” توبون ” سنة 1994 الذي يمنع الحديث بأية لغة أو لهجة أخرى وطنية كانت أو أجنبية غير الفرنسية في المحافل الرسمية حفاظا على وحدة فرنسا و تقدمها .
بل ركزت اللغة الفرنسية في جميع مجالات الحياة و لم تترك مجالا لأية لهجة أو لغة محلية لتزاحم اللغة الرسمية الوحيدة .

هذه هي فرنسا التي تلهم التوابع بخلق ضرات للغة الوحي و التاريخ و الحضارة و الخلود لمضايقتها ، فتجد الاستجابة من طرف من يعتبرون أنفسهم أبناء ” ماما ” الحنون ..

و في سوريا حيث اللغة العربية مهيمنة في كل مجالات الحياة أطباء سوريا الخريجون من جامعتها و الذين يشتغلون الآن في الغرب يعتبرون من أشهر الأطباء .

و في إيران حيث إضافة إلى اللغة الفارسية ، فإنهم يقدسون اللغة العربية بصفتها لغة القرآن و يعتبرونها اللغة الرسمية الثانية بعد الفارسية ، بدليل أن بعض خطب الجمعة تكون باللغة العربية .

و في تركيا حيث عندهم اللغة التركية الرسمية مقدسة إذ نجدها فارضة وجودها في كل الميادين علما أن اللغة التركية ثلاثون في المائة من معجمها كلمات عربية و كل الكلمات التي تبدأ بحرف الميم عربية .

رغم ذلك ، الدولة التركية لا تسمح لأي تغلغل لغوي أو استعمار ثقافي يعشعش في بلدها ،
لماذا كل هذا ؟ ..
لأن : – اللغة ركن أساسي من أركان السيادة إذا مست اللغة مست السيادة و بها تتحقق الذات و بها نعبر عن الهوية ، و هي أداة للوحدة خصوصا إذا كانت هذه اللغة في مستوى لغتنا العربية التي هي لغة أمة و لغة الهوية الجامعة أي أنها تضم في أحشائها و أطرافها ( هويات خاصة ) و هي أيضا معيار للاستقلال : فالدولة التي تهيمن عليها الثقافة الاستعمارية لا تعتبر مستقلة و كذا الدولة التي لا تستعمل لغتها الأساسية في حياتها العامة ..

إن استعمال اللغة الوطنية الرسمية يقضي على التمايز الطبقي و يحقق العدالة الاجتماعية و يؤدي إلى إشاعة العلم و الوعي في أوسع نطاق و يؤدي أيضا إلى النهضة الحقيقية و التطور على جميع المستويات مثل كوريا الشمالية ، كوريا الجنوبية ، اليابان ، الصين .. الخ.

لكن واقعنا يثبت أن اللغة الرسمية في هذا البلد عمليا هي اللغة الفرنسية رغم أنف الدستور و رغم أنفنا جميعا .
و على دعاة الفرنسة أن يعلموا :
– أن اللغة الفرنسية لم تعد لغة علم إذ أصبحت مراجعها في حقول المعارف الحديثة متخلفة بالقياس إلى الإنجليزية ..
– أن مساهمة اللغة الفرنسية في البحث العلمي العالمي لا تتعدى 2.5 % اليوم ..
– أن الفرنسية هيمنت علينا منذ 1912 إلى الآن و مع ذلك لم نتقدم في مجال التنمية بما يكفي ..
– أن الجامعات التي تتبنى الفرنسية في السنغال و ساحل العاج و المغرب وضعت في مؤخرة الترتيب العلمي للجامعات بينما جامعات سوريا و تركيا و إيران و الأردن تتقدمنا بدرجات ..
– أن الفرنسية التي لا تفهم سوى بنسبة أقل من 7 % من الشعب المغربي المتعلم .. لا يمكن أن تكون أداة لتنمية مجتمع ما .

إن لغة الضاد في هذا الوطن أصبحت الآن محط هجومات متنوعة من طرف بعض الفرنكفونيين و حماة الدوارج لكن الدولة و أجهزتها غير مهتمة على الإطلاق بمخاطر التخلي عن اللغة العربية التي هي تعبير عن الهوية الجامعة و هي تشكل مقوما أساسيا لهويتنا ، فرغم تأكيد الحكومات المتعاقبة التزامها بإعادة الاعتبار للغة العربية فإن هذا الالتزام لم نرى له أثرا كما لا نرى أثرا لأكاديمية اللغة العربية بل نشهد العكس و يتجلى ذلك في تكثيف الغزو الثقافي الفرنكفوني في بلدنا ..

إن أعداء اللغة العربية ” قوم تبع ” لما فطن لحيلتهم الوطنيون الأمازيغيون الأحرار انتقلوا إلى استعمال سلاح التدريج و كل هذا يصب في مسار واحد هو مضايقة لغة الضاد ، و هؤلاء الأعداء أبدا هم فاشلون ..
إننا في حاجة إلى صحوة بل انتفاضة سلمية ضد الفرنكفونية الاستعمارية لأنها محض استعمار مقنع و لأنه لا يمكن أن نسمي أنفسنا مستقلين بوجود هيمنتها..

أمام هذا الواقع المظلم ، لم نجد سوى أن نشمر عن سواعدنا لنقف في خندق الدفاع عن لغتنا العربية بمساعدة المثقفين أمثال : الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو و الدكتور فؤاد بوعلي و الدكتور محمد نافع و المناضلة السيدة : جرية حجي و غيرهم من المناضلين الشرفاء .

و إن نسيت لا أنسى الشاعر الكبير الراحل شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي دافع منذ بداية القرن العشرين عن اللغة العربية إذ قال :
رموني بعقم في الشباب و ليتنـــي عقمت فلم أجزع لقول عداتـــــي
وسعت كتاب الله لفظا و غايــــــة و ما ضقت عن آي به و عظاتي
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة و تنسيق أسماء لمخترعاتـــــــي
أنا البحر في أحشائه الدر كامـــن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فلا تكلوني للزمان فإننـــــــــــــي أخاف عليكم أن تحين وفاتــــــي
أيطربكم من جانب الغرب ناعــب ينادي بوأدي في ربيع حياتــــي
أيهجرني قومي عفا الله عنهــــــم إلى لغة لم تتصل بـــــــــــــرواة

أليس عارا أن تظل لغة الاستعمار مهيمنة علينا منذ الاستقلال إلى الآن ؟..
أليس عارا أن نرى جل إعلانات شوارعنا مكتوبا بالفرنسية ؟..
أليس عارا أن تجد أن هناك اجتماعات رسمية الحديث فيها يكون باللغة الفرنسية الاستعمارية ؟..
أليس عارا أن تجد جل أوراق إدارتنا مكتوبا بلغة ليوطي ؟ ..

بقاء هذا سببه طبقة ربطت مصالحها بفرنسا التي تنظر إلينا نظرة ازدراء و استهزاء مع اعتبارنا سذجا لا هوية لنا و لا غيرة على ديننا ، فنحن بالنسبة إليها مجموعة من المستلبين المنبهرين التبعيين ، فنصبح لغتها في هذا الجو هي اللغة المعتبرة و قد تعتبر المقدسة ، بينما علم اللسانيات في أروبا يقول :
– إن الفرنسية عمرها لن يتجاوز 2070 و أن اللغة التي لن تموت هي اللغة العربية الخالدة .

إني أحيل هؤلاء على العلم الأروبي ليقول لهم هذه الحقيقة ليتأكدوا بعد ذلك أن العربية لغة أمة و لغة حضارة و لغة خلود و لن تموت و لن تموت…

 

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر