إغلاق قـوس..

جريدة طنجة – محمد العمراني ( ماذا يحدث داخل بيت العدالة والتنمية) 

ما يُعتَمَل داخلَ حـزب العدالة و التنمية من نِقاشٍ وصلَ حَدا غير مسبوق من العنف اللّفظي، والتَقـاطُب الحـاد بين مُعسكرين بـَاتـَا اليـوم وكـأنّهُمـا حزبـان متَنـاقـضان، يدفعنا للتساؤل حول ما إذا كان هذا الحراك مؤشرا على حيوية الحزب، وعلى وجود منسوب معتبر من الديمقراطية الداخلية والقبول بالرأي الآخر يخترق شرايينه وأوصاله، أم هو مؤشر على انهيار تلك الصورة، التي لطالما روج لها قادة الحزب ومناضليه، بكونه حزب متماسك وملتف حول مشروع واحد، وشِعـارهـم الخـالـد الـرأي حُـر و القـرار مُلـزِم ؟!..

قبلَ سَنـوات قـدَّم الحـزبُ نفسَه للشعـب المغـربـي كتنظيم متماسك، ومسنود بخطاب اخلاقي يمنح الحصانة لمناضليه ضدّ أي نزوع نحو حب السلطة، والتعلق بالمناصب، وأن شرعية وجوده مقرونة بالدفاع عن الديمقراطية ومحاربة الفساد والاستبداد.

وهي الوصفة التي تفنن في تقديم تفاصيلها للناخبين، وأعطت جاذبية كبيرة للحزب من طرف الجماهير، وأصبح بذلك أمل فئات عريضة من المواطنين، رأوا فيه حامل لواء التغيير، ولذلك بوأوه صدارة الانتخابات، بأغلبية كاسحة، وبفضل أصوات المغاربة دخل بنكيران رحاب المشور السعيد، وقاد الحكومة خلال الولاية الانتدابية المنصرمة. وبفضل هاته الصورة، اكتسح حزب المصباح نتائج الانتخابات الجماعية والبرلمانية، التي شهدها المغرب سنتي 2015 و2016 على التوالي.

لكن ومن دون سابق إنذار، وبعد إعفاء بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة وتعيين العثماني خلفا له، انفجرت داخل أركان هذا الحزب، الذي كان يضرب به المثل في الصرامة التنظيمية، واللحمة الجامعة لمنخرطيه، معارك ضارية بين معسكرين: الأول موالي لبنكيران، والثاني مؤيد للعثماني…

فجأة ظهرت إلى الوجود كتائب إلكترونية موالية للزعيم، كما يحلو لمريدي بنكيران أن يلقبوه، وشرعت في سحل كل من دافع عن نهج العثماني، فيما توعدت كل من تجرأ على انتقاد بنكيران بالويل والثبور وعظائم الأمور..
وهكذا باتت تهمة الخيانة للمشروع والتحالف مع الدولة العميقة تطارد كل من عارض الولاية الثالثة لبنكيران!..
فبين عشية وضحاها تحول الرميد، الذي كان إلى عهد قريب رمزا من رموز الإصلاح والثبات على الرأي والإصرار على مواجهة الفساد، إلى عميل للاستبداد، وتم اتهامه بالانقلاب على قناعاته السابقة، والتضحية بقيم ومبادئ الحزب من أجل الاحتفاظ بالوزارة، بل وصل الأمر أن رفعت في وجهه شعارات تطالب بانسحابه من إحدى ملتقيات شبيبة حزب المصباح، مما أصابه بالذهول من هول ما رآه، فيما هو عاجز عن تصديق الأمر، حتى أن الرجل قرر مقاطعة اجتماعات الأمانة العامة للحزب بعد أن تورط قياديون في الحملة التي استهدفته!..

من كان يعتقد أنه سيأتي يوم يخرج فيه الزعيم بنكيران لتقطير الشمع على أقرب مقربيه، مصطفى الرميد، متهما إياه بالجري وراء المناصب، والتنكير لأفضاله عليه، مذكرا إياه بتقاعسه خلال الحملة الانتخابية لاقتراع 25 نونبر 2011، ولولاه – الزعيم – لما تمكن الحزب من تحقيق النتائج الباهرة التي حققها منذ انتخابه رئيسا للحزب، وخاصة منذ تحمله مسؤولية قيادة الحكومة؟..

من كان يتخيل أن يخرج يوما الرميد، في تدوينه نارية، لمواجهة بنكيران، وفضح تناقضاته، وتسفيه ادعاءاته؟…
ما يجري داخل بيت العدالة والتنمية اليوم من حرب أهلية ضارية تكاد لا تبقي ولا تذر، أصاب المواطنين بالصدمة وهم يتابعون كيف تحول الإخوة إلى مليشيات تتطاحن فيما بينها حول ما إذا كان بنكيران يستحق الولاية الثالثة أم عليه الانسحاب، انضباطا لقوانين الحزب؟..

كيف لا يصابون بالصدمة، وهو الحزب الذي كان مناضلوه نموذجا في الأخلاق، والترفع عن صغائر الأمور، والإيثار، والابتعاد عن شهوات المناصب؟!…

ولذلك لم يكن مفاجئا بالمطلق هذا العقاب السريع الذي قرر المغاربة إنزاله على هذا الحزب، منذ انغماس قادته في هاته الصراعات المقيتة، التي يمجها العقل السليم، خصوصا إذا كان المتورطون فيها أناس يرفعون شعار “الإسلام هو ديننا، وتعاليمه السمحة هي قدوتنا”، وهكذا صار الحزب يحصد هزائم مذلة في كل المعارك الانتخابية البرلمانية الجزئية التي جرت خلال الأسابيع الأخيرة…

فالمَغـاربـة عندمـا يضعـون ثِقتهم في حزب معين، يضعونه في قلوبهم، ويمنحونه أصواتهم، لكن لا يترددون مطلقا في الخسف به إلى أسفل السافلين، بل يكون العقاب أشد وأشرس إذا اقتنع المغاربة أن قادة الحزب انقلبوا على شعاراتهم وباعوا مبادئهم…

فكل المؤشرات تؤكد أن قوس المصباح قد حان أوان إغلاقه…

 

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر