“سلاحُ الإطعام”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( .. )
سياسة الإطعام، التي يتبناها المجتمع المغربي بشكل من الأشكال، كانت على الدوام في منأىً من الجدل العلني أو النقاش العمومي، فقد كانت عملا يحضى بقبول الأغلبية و بِصمْت الأقلية، ما جعل منها، في ظل وجود تغطية تتمتع بجذور ثقافية و دينية متعددة الأوجه، مجالاً خصبا لنمو عادات “استثماراتية” غايةً في التعقيد و بـ”خلفيات” متعددة، تتراوح بين الارتكاز على مُنْطَلق الأخلاق “الحميدة” و تأجيل كسب الآجر إلى مرحلة القيامة و فترة الحساب و العقاب، و بين مُنطَلقٍ آخر لا شأن له بالدار الآخرة، عُنوانه الأبرز و مرتكزه الأساس هو تحقيق المكسب الفوري مُطبِّقا في ذلك شَكْلِ “المُناجزة يَداً بِيَد”، كما يذكر علماء الإجراءات في الفقه الشرعي.
حادث التدافع البشري، الذي كانت إحدى جماعات الصويرة مسرحا داميا له، أدى إلى سقوط ضحايا نسوية، اتفقت الألسن، من باب النفاق العلني، على تسميتهن “شهيدات”، وبصرف النظر عن التساؤل جول مدى “مصداقية” هذا التوصيف أو حجيته الشرعية، فإن جوهر الحادث يجب أن يُنظر إليه بِغايةٍ مُحدَّدة هي الإجابة عن أسْئلة تحظى، في واقع الأمر، بطابع المركزية، لكن المغاربة يفضلون الاعتياد على عدم إعارتها الانتباه الذي تستحقه. أسئلة من قبيل : هل نحن على أبواب مجاعة حقيقية ؟ و هل التدافع من أجل الحصول على “المونة” اختصاص نسوي خالص ؟ و هل يكشف عدد الضحايا، غير المسبوق في تاريخ “التدافُع المَحَلّي”، شيئا عن قيمة “المونة” التي كانت سببا يستحق “استشهاد” النسوة في سبيل نيلها ؟.
ما من شك في أن “الإطعام”، سيما في هيئته المغربية، يُعَدُّ سلاحا فتاكا و نوعيا، تُنال، عن طريق استعماله، مآربُ متنوعة يصُبُّ مجملها في اتجاه تحقيق أغراض شخصية، قد تكون أحيانا “دينية”، و قد تكون، كما هو الحال في الغالب، “دنيوية”، لكنها تعتبر في جميع الحالات أغراضاً ذاتية بامتياز كبير. فالمُحسن الذي يمْنَح المؤونة للناخبين ينتظر من وراء عمله جزاءً من خلال صناديق الاقتراع، أما الـذي يَعْتبر فعْلَهُ مُجرَّدَ عملٍ خيري و لـ”وجه الله”، فأشد مكراً و حيلةً من سابقه، فهو في غنى عن مال الدنيا، وينتظر في الأجر المضاعف في الآخرة.
لقد انخرط الإنسان، منذ ظهوره على وجه الأرض، في حروب و صراعات عسكرية لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، و هي صراعات ليس أبطالُها، في كل مرة، جيوشا مدربة تعتمد الأسلحة النارية، بل قد يكون أبطالها أيضا، و في كل يوم، أشخاصا عاديين، فعليين كانوا أو معنويين، لكن الفرق الوحيد الذي يميزهم عن “الجيوش التقليدية” هو السلاح الذي يفضلون استعماله، فهو سلاح نوعي، و لا يقع مطلقا في لائحة الأسلحة المحرمة دوليا، إنه سلاح “الإطعام”.
إن القمع، في اعتقاد النبهاء، لا ينحصر في دائرة ما يمارسه “الإنسان” من عنف مادي في مواجهة أخيه “الإنسان”، مستعملا في ذلك الهراوات أو خراطيم المياه أو فوهات البنادق، بل إن العنف عندهم قد يتم بقذائف “الباguيت” العابرة للمَعِدات، و هي، في واقع الأمر، أسلحة رخيصة و فعالة، أي أنها، بِلُغة العَسْكر، أسلحة استراتيجية، فيكفي أن تضرب المرء بـ”سندويتشٍ” استراتيجي حتى يندفع إليك مُعلنا ولاءَه “التكتيكي”، في انتظار “الحصول” على “ضربة” أخرى، يُفَضّل ان تكون أكثر “استراتيجية” من سابقاتها، وفي جميع الحالات، لا يفقد المرءُ المُستهدف إرادته و حريته في التصرف، بل قد يفقدُ حياته أيضاً…