تكريم سيدي محمد المرابط إمام وخطيب الزاوية الكتانية بطنجة
جريدة طنجة – بقلم الأستاذ يونس قرباش (“تكريم سيدي محمد المرابط”)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المنفرد باسمه الأسمى، المختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس دونه منتهى، ولا وراءه مرمى، الظاهر لا تخيلا ووهما، الباطن تقدسا لا عدما، وسع كل شيء رحمة وعلما، وأسبغ على أوليائه نعما عما، وبعث فيهم رسولا من أنفسهم عربا وعجما، وأزكاهم محتدا ومنمى، وأرجحهم عقلا وحلما، وأوفرهم علما وفهما، وأقواهم يقينا وعزما، وأشدهم بهم رأفة ورحما، زكاه روحا وجسما، وحاشاه عيبا ووصما، وآتاه حكمة وحكما، وفتح به أعينا عميا، وقلوبا غلفا، وآذانا صما، فآمن به وعزره، ونصره من جعل الله له في مغنم السعادة قسما، وكذب به وصدف عن آياته من كتب الله عليه الشقاء حتما، ” ومَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ (وَأَضَلُّ سَبِيلًا)” – صلى الله عليه وسلم – صلاة تسمو وتنمى، وعلى آله وسلم تسليما.
أسألك سبحانك أن تجزي القيمين على هذه الزاوية ومريديها ومحبيها، وهذا الجمعَ المبارك المضمخِ بعبقِ ونور مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهالي طنجةَ الفيحاء، لأنهم أحيوا الذكرى بما لا أستطيع أن أصفه، بهجة نفوس ونظرة وجوه وفرحة قلب وبسمة أنوار في كل منزل وكل بيت من بيوت الله. أسألك ربي أن تجزيهم عن حفاوتهم بميلاد حبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وميلادُه صلى الله عليه وسلم نعمة الوجود، أزلاً حين قضى الله أن يبعثه آخر أنبياءه إلى الأرض، وأبداً حيث جعله نبيَّ كلِّ زمان وكلِّ مكان إلى أن نلتقي بمُرسِله الأعلى في جنان الخُلد إن شاء الله.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن نحتفل بكل أيامه، لأن الله عز وجل قال في كتابه العزيز ” وذكرهم بأيام الله ” وأيام الله هي نصره لأنبيائه ورسله ونصر عباده المؤمنين على كل الجاحدين والملاحدة والكافرين. وأيام الله تتجلى في بعثته صلى الله عليه وسلم إلى الخلق جميعا، مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، وأيامه صلى الله عليه وسلم، بعثةً وإسراءً وهجرةً ودعوةً ونصراً في كلِّ غزوة ومعركة شهدها، أيام لها تاريخ. والأيام تسعد بالحدث الذي يكون فيها. وإذا كانت أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم أزلا وأبدا وبعثة وإسراء وهجرة ودعوة ونصرا في معارك، فكل ذلك ثمرة ليوم ميلاده صلى الله عليه وسلم. إذن فميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو الأيام كلها وأبو الخير كله. والاحتفال بمولده هو حق من حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم على العباد، نعم هو حق من حقوقه علينا. ومن حقوقه أن نحبه ونقدم حبه على حب الوالد والولد والناس أجمعين. ومن حقوقه على الناس الإيمانُ به، ووجوبُ طاعته واتباعُ سنته، ولزوم محبته، وتعظيمُهُ وتوقيرُه، وزيارةُ قبره والصلاة عليه. ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم، مَحَبَّةُ آلِ بَيْتِهِ المطهرين وَمُوَالَاتُهمْ وَبِرُّهمْ، وَمَعْرِفةُ حَقِّهِمْ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِم وَالذَبُّ عَنْهُمْ، وَتَرْكُ الغُلُوِّ فِيهمْ. ومن حقوقه مُوالَاةُ أَصْحَابِه وتابعِيهم وَمحبَّتُهم، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِم، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَالاسْتِغْفَارُ لَهمْ، وَالإِعْرَاضُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُم. وَمِنْ ذَلِكَ مَحَبَّةُ العُلَمَاءِ والفقهاءِ والخطباءِ وحملةِ كتابِ اللهِ، وَمُوَالَاتُهُمْ وَتَرْكُ انْتِقَاصِهِمْ وَالْخَوْضِ فِي أَعْرَاضِهم، لأنهم وَرثتُه، صلى الله عليه وسلم.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له حتى تظنوا أنكم قد كافأتموه). وامتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترافا بجميل أحد المرابطين بهذه الزاوية العامرة وما قام به مذ كان طفلا صبيا ثم مراهقا يافعا ثم شابا قويا ثم كهلا موقرا فشيخا مكرما مبجلا. ألا وهو سيدي محمد المرابط الذي رابط بهذه الزاوية كإمام راتب وخطيب للجمعة والعيدين، لمدة تفوق أربعين سنة دون كل ولا ملل.
ولد محمد المرابط حفظه الله وبارك في عمره وعافيته، سنة 1939 ميلادية، متزوج وله ابنين وأربعُ بنات، له أخ أكبر، سيدي مصطفى المرابط، توفي قبل أربع سنوات.
حفظ القرءان الكريم وهو صغير السن، بالمسيد الذي كان مجاورا للزاوية على شيخ فاضل سيدي المشيش العلمي، ثم درس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية، بهذه الزاوية على شيخ جليل تقي اسمه سيدي عبد السلام الخنوس، ثم أخذ علوما مختلفةً من فقهٍ وأصولِه وعلومِ القرءانِ وتفسيرِه، والحديثِ ومصطلحِه، بالمسجد الأعظم على عالم جليل، وفقيه واعظ، الوليُّ الصالحُ سيدي عبد الله بن عبد الصادق رحمه الله تعالى وأكرم مثواه. وكان سيدي محمد المرابط يتناوب على سرد الكتب مع أخيه مصطفى رحمة الله عليه.
وككل سنة يقوم مقدم الزاوية وشقيقُه الدكتور إبراهيم التمسماني والقيمون على الزاوية ومريدوها ومحبوها بتكريم أحدِ المحبين لهذه المدرسة الجامعة، فارتأوا هذه السنة، تكريمَ وتقديرَ وتثمينَ ما قام به سيدي محمد المرابط طول حياته من عمل جليل، ورباط وثيق، وجهد جزيل. فنسأل الله تعالى أن يجازيه بما جازى به نبيا عن قومه ورسولا عن أمته، وبارك في عمره وذريته، ورزُقهُ الصحة والعافية.
اللهم احرسه بعينك التي لا تنام واكنفه بكنفك الذي لا يضام، واحفظه بما حفظت به الذكر الحكيم، وأدم عليه نعمة الإسلام والإيمان والإحسان واليقين إنك سميع مجيب.
اللهم يا مولانا اجعلنا ممن علم فعمل، وعمل فأخلص فيما عمل، واعف عنا وعافنا، وامنن علينا بتوبة صادقة ترضاها منا، واختم لنا بالرضى والسعادة واجعلنا من أهل الحسنى وزيادة إنك على كل شيء قدير، آمين.
وجزى الله القيمين على هذه الزاوية العامرة، أحسن جزاء وجميع من ساهم في هذا التكريم من قريب أو بعيد والحمد لله رب العالمين. ..