الانتحار بالمغرب حدث السنة بامتياز

جريدة طنجة – عزيز كنونـي ( الانتحار ) 

سنة تختفي في قمقام، وأخرى تطلع من وراء الظراب والآكام، حبلى بما تتهدّدنا به من اسرار الأكوان ومفـاجـــآت السهـام والأزلام، وتدفعنا به إلى مجاهل الشك والتوهم، والرجم والظنة، حتى نكاد نفقد رشدنا وصوابنا ولا نكاد نميز بين الثمرة والجمرة، ولا نستبين ضوء الشمس من ظلام الرمس….

سنة أخرى نقف عندها بين تاريخ الأمس “وتـاريـخ الغـد،.. وتـاريـخ التـاريخ الذي “يصنعونه” لنا، يصيغونه، من أجلنا، في قواليب من نار، دون أن نقوى على اعتراض أو شجب أو استنكار،..لا نقدر إلا على الصمت والاصطبار… والاستغفار !…….

سنة أخرى بأحداثها وحوادثها ، وبدعها وأهوالها، وما حدُث من أمرها وما قدُم.. أمورٌ كثيرة أثارتنا، استفزتنا ، أغضبتنا،.. وأمور أخرى ، من دواخلنا، أسعدتنا، على ندرها ونزرها، أبهجتنا …حملتنا على البشر والتيمن والتفاؤل، ووجدتنا ننشد مع الأمام الشافعي رضي الله عنه:

دَعِ الأيـّـام تفعل ما تشــاء … وطِب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجــزَع لنـــازلة الليالـي … فما لحوادث الدّنيــــا بقـــــــاء

مواكب الأحداث تمر أمام ناظرينا، رتيبة كالشخير، نتلهى ببعضها و ببعضها نستجير ، طوائف الأقوام والأحداث تمر أمامنا، فلا نُعنى ببعضها، ولا نحفل، ولا نجتذب نحوها ولا نهتم….سيناريوهات أحكمت من وراء حجاب، ترتب لـ “ميكانزمات” مخدومة تخدع كالسراب، كالقول العناج، كما ورد في ذكر “البلوكاج”، الذي كان “منطاجا” في منطاج، خرجنا منه بلا سهام ولا وفاض، حيث تنكر الربض للربض، وامتلك ناصية الأمر من لا جرأة له ولا شوكة، ولا حسن ظن !

سنة حركتها الحراكات ، كما حركتنا بين جهات شتى ، وقبلات شتي، حتى وإن اختلفت في المضمون والجوهر… وتباعدت، فإنها اتفقت في الأداء والسلوك …وتقاربت، لتخلق اختناقات وتشنجات، وتفجر طاقات، وتبلور مواقف، وتحرض الكلم ليحمل ما لا يحتمل. فهل كنا بحاجة إلى مثل هذه المآسي في سنة خلنا أنها وثبةٌ وانطلاقٌ ، وأنها آمال نغازلها، وإطباق وميثاق !!!….

فإذا “النوازل” ترعبنا وإذا الوقائع تفزعنا، تريعنا، بعد أن تفشت أخبار الانتحار بين صفوفنا ذكورنا وإناثنا، شيبنا وشبابنا، ومن حولنا طبول النصر تدق، تعلن فوزنا المبين في ألف جبهة وجبهة، وأن منجزاتنا من المنجزات الخوارق، في كل مجال وميدان…..

البوقات تحمل نعي المنتحرين إلى كل الجهات، وإلى “المنتظرين” في طوابير الموت، بحثا عن شجرة وحبل، أو قاطرة جرارة، أو مرتفع، أو في أشقى الحالات، قنينة غاز مشتعل يحول إحدى ساحات المدينة إلى معبد زرادشتي لدين المجوس !

حتى أصبح ذكرنا مقرونا بظاهرة الانتحار، وتبارت جهات دولية مختصة، في “تحليل الانحدار”، إلى تصنيفنا في مرتبات متقدمة من بين الأمم التي يكثر بين شعوبها الانتحار،إذ جاورت نسبة الانتحار بيننا المائة بالمائة ما بين سنتي 2000 و2012 .

حتى مدينة الشاون الجميلة، الهادئة ، المتدينة، العالمة، المتحضرة، أصابها ما أصابها من لسعات الانتحار، في صفوف الرجال والنساء ، الصغار والكبار، حيث توالت حالات الموت الإرادي شنقا مع نهاية السنة بشكل غريب مريب، ليسائل الوضع أولي الأمر، وبمنتهى الحدة، عن أسباب هذا الإحصار والانكسار.

أما طنجة، فحدث حرج !
المتفصحون من أهل العلم والدراية يقولون إن الانتحار تدفع إليه أمراض عقلية وتدني مستوى المعيشة، وتزايد إكراهات الحياة اليومية المادية والاجتماعية، وارتفاع معدلات الفقر والأمية، وضعف الخدمات الصحية وغياب العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة ، وأمور أخرى.

فما ذا يقول السيد العثماني وحواريوه ؟
إذا كانت كل هذه الأسباب حقيقية ، واقعية، فلننتظر الساعة !
ويبقى الانتحار بالمغرب ، حدث السنة بامتياز ! .

 

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر