“السـُّـلطة و الثــروة”
جريدة طنجة – محمد العطـلاتـي ( السـُّـلطة )
“لقد كانت فـترة ما بعد استقلال المغرب التي أعقبت محادثات عُرِفَت باسم “إيكس ليبان”، و إلى حـدود يومنا هذا، فترة صراع حقيقي بين دوائر النفوذ المخزني من جهة، و بين “أنوية التحرر” التي أخَـذَت في الظهور تدْريجيا داخـل المجـتمـع لاعـتبارات تجـد أَساسَها المـادي في نُشـوءِ تَشْكيلات “طبقية هجينة” أفرزتها التحولات الإنتاجية الجـزئية و أنتجتها “تغيُّرات ثقافية معدومة” لم يعرفها البلد في خضم الانتقال التدريجي للسلطة من يد “الحماية” الفرنسية إلى يد خلفائها و أعوانها المحليين.
على امتداد مرحلة تزيد عن نصف قرن من الزمن السياسي لما بعد الاستقلال، الموصوف بالشكلي من قوى اليسار، عرف المغرب محطاتٍ نضاليةً زاخمةً، بدءاً من أواخر خمسينيات القرن المنصرم وصولا إلى العشرية الثانية من القرن الحالي، و مرورا، كذلك، بمحطاتٍ أخرى أكـثر ضراوة كادت تعصف بالبِنْية الكلية لنِظـامِ الحُـكْم. و خلال تلك “المحطات النضالية”جَميعِها، بدا واضحا أن الصراع كان يحتدم لدى البعض بشأن امتلاك “أدوات السلطة”، لكن ليس باعتبارها آلية لإدارة الحكم و ممارسته تحقيقا لوظائف الدولة الأساسية، بل باعتبارها “أداةً عصْرية” لحماية الثروة “المكتسبة” بالنسبة لكثير منهم؛ أما بالنسبة لآخرين، فقد “ناضلوا” من أجل السلطة بالنظر لكونها مجرد تقنيةً فعّالة تضمن الترقي السريع في مسيرة السطو على الثروة و مُراكمة أرصدتها في حساباتهم الخصوصية، هؤلاء أنفسهم سيصيرون مع مرور الوقت خُدّاما حقيقيين لـــ”الدولة”، غايتهم “السامية” هي إعـادة تـوظيف السُّلطة لحماية ثرواتهم المنهوبة .
لقد حاولت القوى السياسية، التي كانت توصف بِــــ”الحـيَّة”، التعبير عن إرادة في تحديث أركان الدولة القائمة على أسس فكرية موغلة في التقليدانية، لكنها كانت تفشل كل مرة، تارة بسبب القمع الشديد، و في تاراتٍ أخرى لأن القوى ذاتها، وقعت في “شِراك” علاقة التَّواد الثُّنائي بين “الثروة” التي تعبِّد الطريق نحو السُّلطة، و بين هذه “السُّلطة” التي اعْتُبرت دالَّةً للثروة و لا يجوز، بالنتيجة، “التفريطُ” فيها.
إن الانتفاضة السلمية التي حركها أبناء الريف، و نُعتوا بسببها بــتبني طروحات”انفصالية”، كشفت درجةَ بِدائيَّة المفاهيم الثقافية التي يُدار بها الحُكم في المغرب، و اتضح جليا أن المؤسسات السياسية للدولة، ما هي، في حقيقة الأمر، سوى مظاهر شَكْلِيَّة لمطلب “الدولة العصرية الديمقراطية” و لا تعبر عن مضمون جوهري بشأن هذا المطلب الحداثي، و لعل ذلك يُفَسِّرُ حقيقةَ الإفْلاس و البوار الذي انتهت إليه كل الأحزاب السياسية المغربية، كمؤسسات عصرية يُنتظر منها القطع مع مفهوم “القبيلة”، و يُفترض فيها أن تقوم بوظائف “النضال الديمقراطي” لتحقيق برامج سياسية محددة عبر إفراز النخب المؤهلة لتولي مهام الحكم، فالمؤسسات الحزبية لم تظهر للوجود المغربي في سياق تطور تاريخي قطع المراحل و الأزمنة الضرورية لإنتاجها بشكل سليم و تبنيها، تبعا لذلك، من قبل المجتمع، بل ظلت صورية على الدوام، بل إن أكثرها عنفوانا لم يحْظَ إلا بالنَّزْر اليسير من اهتمام الناس؛ و بسبب هذا الإفلاس الذي أصاب الأحزاب، و عجزها البنيوي عن ممارسة وظائف التأطير إزاء منتسبيها، و الاستقطاب العقلاني إزاء الأغيار، فإن تلك الأحزاب استحقت عن جدارة لقب “الدكاكين السياسية” الذي أطلقه عليها نشطاء الحراك الريفي.
إن أزمة البلد الحقيقية، وهي بالمناسبة أزمة قد تفضي إلى العُسْر و الإفلاس غير المتوقع، تكمُن في عدم قُدرة “النُّخَب المثقفة و المُسيَّسَة” على تصحيح المنظور المتراكم، لدى العوام و الخواص على حد سواء، بشأن مفْهوم الدولة و السلطة، و لعلها تكمن أيضا في عَجْز هذه النُّخب عن صياغة مفهوم فلسفي جديد باستطاعته الإجابة عن التساؤلات الجوهرية التي تهم بالدرجة الأولى ضرورة الفصل بين “السلطة”، كأداة لتحقيق الخدمة العامة، و بين تحقيق “الثروة” كمطلب يلبي الخدمة الخاصة.”
“لقد كانت فـترة ما بعد استقلال المغرب التي أعقبت محادثات عُرِفَت باسم “إيكس ليبان”، و إلى حـدود يومنا هذا، فترة صراع حقيقي بين دوائر النفوذ المخزني من جهة، و بين “أنوية التحرر” التي أخَـذَت في الظهور تدْريجيا داخـل المجـتمـع لاعـتبارات تجـد أَساسَها المـادي في نُشـوءِ تَشْكيلات “طبقية هجينة” أفرزتها التحولات الإنتاجية الجـزئية و أنتجتها “تغيُّرات ثقافية معدومة” لم يعرفها البلد في خضم الانتقال التدريجي للسلطة من يد “الحماية” الفرنسية إلى يد خلفائها و أعوانها المحليين.
على امتداد مرحلة تزيد عن نصف قرن من الزمن السياسي لما بعد الاستقلال، الموصوف بالشكلي من قوى اليسار، عرف المغرب محطاتٍ نضاليةً زاخمةً، بدءاً من أواخر خمسينيات القرن المنصرم وصولا إلى العشرية الثانية من القرن الحالي، و مرورا، كذلك، بمحطاتٍ أخرى أكـثر ضراوة كادت تعصف بالبِنْية الكلية لنِظـامِ الحُـكْم. و خلال تلك “المحطات النضالية”جَميعِها، بدا واضحا أن الصراع كان يحتدم لدى البعض بشأن امتلاك “أدوات السلطة”، لكن ليس باعتبارها آلية لإدارة الحكم و ممارسته تحقيقا لوظائف الدولة الأساسية، بل باعتبارها “أداةً عصْرية” لحماية الثروة “المكتسبة” بالنسبة لكثير منهم؛ أما بالنسبة لآخرين، فقد “ناضلوا” من أجل السلطة بالنظر لكونها مجرد تقنيةً فعّالة تضمن الترقي السريع في مسيرة السطو على الثروة و مُراكمة أرصدتها في حساباتهم الخصوصية، هؤلاء أنفسهم سيصيرون مع مرور الوقت خُدّاما حقيقيين لـــ”الدولة”، غايتهم “السامية” هي إعـادة تـوظيف السُّلطة لحماية ثرواتهم المنهوبة .
لقد حاولت القوى السياسية، التي كانت توصف بِــــ”الحـيَّة”، التعبير عن إرادة في تحديث أركان الدولة القائمة على أسس فكرية موغلة في التقليدانية، لكنها كانت تفشل كل مرة، تارة بسبب القمع الشديد، و في تاراتٍ أخرى لأن القوى ذاتها، وقعت في “شِراك” علاقة التَّواد الثُّنائي بين “الثروة” التي تعبِّد الطريق نحو السُّلطة، و بين هذه “السُّلطة” التي اعْتُبرت دالَّةً للثروة و لا يجوز، بالنتيجة، “التفريطُ” فيها.
إن الانتفاضة السلمية التي حركها أبناء الريف، و نُعتوا بسببها بــتبني طروحات”انفصالية”، كشفت درجةَ بِدائيَّة المفاهيم الثقافية التي يُدار بها الحُكم في المغرب، و اتضح جليا أن المؤسسات السياسية للدولة، ما هي، في حقيقة الأمر، سوى مظاهر شَكْلِيَّة لمطلب “الدولة العصرية الديمقراطية” و لا تعبر عن مضمون جوهري بشأن هذا المطلب الحداثي، و لعل ذلك يُفَسِّرُ حقيقةَ الإفْلاس و البوار الذي انتهت إليه كل الأحزاب السياسية المغربية، كمؤسسات عصرية يُنتظر منها القطع مع مفهوم “القبيلة”، و يُفترض فيها أن تقوم بوظائف “النضال الديمقراطي” لتحقيق برامج سياسية محددة عبر إفراز النخب المؤهلة لتولي مهام الحكم، فالمؤسسات الحزبية لم تظهر للوجود المغربي في سياق تطور تاريخي قطع المراحل و الأزمنة الضرورية لإنتاجها بشكل سليم و تبنيها، تبعا لذلك، من قبل المجتمع، بل ظلت صورية على الدوام، بل إن أكثرها عنفوانا لم يحْظَ إلا بالنَّزْر اليسير من اهتمام الناس؛ و بسبب هذا الإفلاس الذي أصاب الأحزاب، و عجزها البنيوي عن ممارسة وظائف التأطير إزاء منتسبيها، و الاستقطاب العقلاني إزاء الأغيار، فإن تلك الأحزاب استحقت عن جدارة لقب “الدكاكين السياسية” الذي أطلقه عليها نشطاء الحراك الريفي.
إن أزمة البلد الحقيقية، وهي بالمناسبة أزمة قد تفضي إلى العُسْر و الإفلاس غير المتوقع، تكمُن في عدم قُدرة “النُّخَب المثقفة و المُسيَّسَة” على تصحيح المنظور المتراكم، لدى العوام و الخواص على حد سواء، بشأن مفْهوم الدولة و السلطة، و لعلها تكمن أيضا في عَجْز هذه النُّخب عن صياغة مفهوم فلسفي جديد باستطاعته الإجابة عن التساؤلات الجوهرية التي تهم بالدرجة الأولى ضرورة الفصل بين “السلطة”، كأداة لتحقيق الخدمة العامة، و بين تحقيق “الثروة” كمطلب يلبي الخدمة الخاصة..