لننتظر التعليمات ..

جريدة طنجة – إعداد : مصطفى بديع السوسي ( “التعليمات ” ) 

ـ يالِشقاء هؤلاء السكان وعذابهم ومعاناتهم اليومية مع البرد والصقيع وقلة ذات اليد ..
ـ وتطل علينا وزيرة التضامن بقولها أنه لا فقر في المغرب. 

قد لا يُفكر الدافئون والمتَدثّرُون في الأغطية السميكة، والقابعون في البيوت والفيلات والمكاتب، والمتنقلون في سيارات مكيفة في أطفال وعجائز وشيوخ انقطعت بهم السبل في سفوح جبال يكسوها البياض، وتعصف بها الرياح التي تعوي في القفر والفضاء اللامنتهي كعواء الذئاب وتزمجر صفيرا يهز أركان البيوت القصديرية التي يحتمي بها أناس هم أقرب إلى الحيوانات من البشر… عندما تطلعنا المشاهد من “أنفكو” و”أزيلال” و “والماس” و “ميدلت” وضواحي إفران، وخنيفرة وغيرها يصرخ المذيع كالمعتوه معلقا، إنه لمنظر رائع هي الطبيعة الخلابة التي يمتاز بها المغرب، إيكولوجيا طبيعية ساحرة ..

ولكنه لا يهمس مجرد همس، بالشقاء هؤلاء السكان وعذابهم ومعاناتهم اليومية مع البرد والصقيع وقلة الحيلة، وقلة ذات اليد، شاخصة أبصارهم، زائغة نظراتهم، حمراء وجوههم ليس من الحرارة ولكن من البرد لا تستر أجسادهم سوى أسمال بالية تقاذفتها السنون سنة بعد أخرى، والأطفال بصنادل بلاستيكية وأقدامهم عارية.

وإذا جلت في الداخل لا ترى سوى الخبز والشاي وزيت الزيتون وقد يكون لدى البعض بقايا حمص وفاصوليا وعدس وجلبانة مسحوقة.

تلك معيشة ضنكا، ولحد الآن لم نسمع ولم نلمس ولو من باب التضامن أن هذه القبيلة التي تملأ فضاء وكراسي البرلمان فكرت في زيارة المحاصرين بين الثلوج، ولم لا المبيت ليلة مع صفير الرياح والبرد الذي سنخر العظام ليذوقوا ولو لساعات آلام اللسعات التي يتجرعها السكان أم أن عظامهم ولحومهم الهشة الطرية لا تحتمل ولا تتحمل .؟
حتى أعضاء هذه الحكومة الذابلة لم يفكروا في الأمر فهم في شغل شاغلون يبحثون وينقبون عن مجالات الزيادة في أثمنة المواد الأساسية .

الغريب أنهم كما فكروا في الزيادات التي تلهب ظهور وجيوب الجياع، فكروا في المقابل في الزيادات التي تريح السادة السامين والنواب المحترمين، وتطل علينا وزيرة التضامن بقولها بأنه لا فقر في المغرب فقر أما المتسابقون المتزاحمون لأجل حفنة دقيق وعلبة زيت فتحركهم اللهطة عبارة قدحية أخرى ساقتها، وهؤلاء المختفون بين الثلوج ليسوا فقراء والمشردون التائهون في دروب الضياع، والمفترشون الأرض ليسوا فقراء، فأين الفقراء إذن إن لم يكن هؤلاء وأمثالهم ممن قال عنهم الله تعالى “تحسبهم أغنياء من التعفف” الفقير المحروم لا كرامة له ومن لا كرامة له لا وطن له، فالوطن يحفظ لأبنائه المعاش والملبس والمأوى، فأين المعاش من باحث في أوعية القمامة عما يأكله أو يبيعه ليعيش بثمنه؟ أين الملبس لمن يجول كالمعتوه عاريا في شوارع المدينة ودروبها أو بمرقعات وأثواب فاقع لونها؟ أين المأوى لمن يفترش ورقا مقوى، أو بطانية مهلهلة في مدخل “سينما روكسي” و في حي راق بالمدينة، وفي محطة النقل الطرقي، وعند أبواب المساجد؟ في المدن الأخرى سمعنا ورأينا كيف تجول دوريات من السلطة وفاعلون جمعويون وأهل الخير والإحسان لجمع المتشردين و إيوائهم في مقرات جمعيات خيرية وإحسانية توفر لهم المأكل والمشرب والمأوى، وتمنحهم الدفء الجسدي والأسري، فلماذا تنعدم الظاهرة في مدينة طنجة، أم أن هذه المدينة لا محسنين فيها ولا جمعيات إحسانية أما السلطة فشيء آخر لأنها تسير بالتعليمات وتتصرف و فق التعليمات.
فلننتظر التعليمات إذن لإيواء مشردي البلد وتائهي المدينة .
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر