إنتحار الأطفال بالمغرب.. عندما أصبح دور الأسرة المغربية مقتصرا على الولادة فقط

جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( إنتحار الأطفال ) 

يخطفهم الموت من بين أحضان عائلاتهم دون سابق إنذار، أطفال لم يعيشوا من الحياة سوى بدايتها، فكروا ونفذوا دون استشارة أو إثارة شبهات، فغادروا نحو عالم غيرِ ذلك الذي لم يمكنهم من العيش براحة تامة، آملين إيجاد حلول بالعالم الآخر الذي رأوا فيه الحل الأخير.

قد يعتبره البعض موضوعًا ثانويًا لقلة المعلومات عنه، لكنه أصبح بالنسبة للكثيرين هاجسًا مؤرقًا، خاصة منهم الآباء الذين فقدوا فلذات أكبادهم في لمح البصر، ممّن ذهبوا دون ترك أثر غير علامات استفهام كثيرة ومحيرة.

لكل ظاهرة أسبابها
لم يحصل إجماع حول أسباب لجوء الأطفال إلى إنهاء حياتهم، إلا أن المشاكل الكبرى التي قد تشكّل ضغطاً عليهم معروفة وواضحة بالنظر لبنيتهم النفسية الهشة، وفي المغرب وبالنظر لعدة عوامل اجتماعية، دينية وثقافية، تحُول دون الإفصاح عن حالات الإنتحار وكشف أسبابه، يتعقد الأمر أكثر ويصعب على الباحثين العمل على تحديد ملابساته القبلية.

ومن منظور بسيكولوجي يرى رضا امحاسني الأختصاصي النفسي، أن موضوع انتحار الأطفال في المغرب أو في مجتمعات أخرى مشابهة يظل طابو، وذلك راجع للثـقل الديني والثقافي اللذان لا يسمحان به، مما يجعل الإنتحار متنكرًا دائما في زيّ الحادث العرضي، والسبب الأساسي حسبه ” منع الثقافة والدين من تقديم التعازي في المنتحر والمشاركة في مراسيم جنازته، ولأن مأواه جهنم فالمنفذ لفعل الإنتحار يظل مسكوت عنه”.

وعن الأسباب الأساسية في تفكير الأطفال في الإنتحار أو الإقدام عليه، يقول رضا امحاسني أنه يحدث بعد حالة التعاسة والإكتئاب التي تتولد إمّا بسبب الوسط المرضي الذي يعيش الطفل داخله، أو بسبب حالة طلاق أو وفاة مفاجئة، ويحدث هذا حسب الدكتور امحاسني لأن تربية الطفل في مجتمعنا تقوم على فكرة تربية إنسان غير مكتمل، يتولد عنها سلوكات وأفعال تأتي بنتائج وخيمة.


وفي غياب أرقام واضحة حول الموضوع، اعتمد الدكتور على الممارسة والتجربة ليستنتج أن غالبية الأطفال الذين يقومون بالإقدام على الإنتحار هم الأطفال متخلى عنهم مبكرًا، أو مضطهدين معنويًا أو معتدى عليهم جنسيا، يعانون لهذه الأسباب من الهشاشة العاطفية والنفسية، تتولد عنها سلوكيات عدائية أو انطوائية وأحيانًا إجرامية، ومن أكثرها خطورة الإنتحار.

وعن مؤشرات المرض النفسي المزمنة عند الأطفال، يؤكد الدكتور أنها المؤشرات نفسها عند الإنسان البالغ، كالاضطرابات في السلوكيات العاطفية والحسية، أو الإضطراب في التحصيل الدراسي، أو مؤشرات الإنطواء وعدم الإندماج في المحيط، بالإضافة إلى الإحساس بالنقص وبالهوية السلبية داخل الوسط الذي يحيط بالطفل المنتحر.

أما عن علاقة الطفل بالإنتحار، فتبقى بالنسبة للأطباء النفسيين مغايرة عن علاقة البالغ بها، وذلك لاختلاف الإدراك عند كليهما، فبينما يكون غرض البالغ إنهاء الحياة، يعتقد الطفل أنه بالإنتحار سيتمكن من إنهاء المعاناة فقط، وهنا يؤكد الدكتور امحاسني أنه من بين مجموع الأطفال، يكون الطفل المختلف (المريض أو المعاق أو صاحب البشر الداكنة أو الأشهب مثلا) هو الأكثر عرضة للإضطهاد الذي تتولد عنه العقد النفسية، لهذا فهم الأكثر عرضة للتفكير في الإنتحار.

اللوم والمسؤولية المشتركة 
ترى نجية أديب رئيسة جمعية ماتقيش ولادي، أن الطفل عندما يلجأ للإنتحار تكون له أسباب غالبًا ما تندرج في خانة الأمراض النفسية، منها ما ينتج عن الإغتصاب والتحرش الجنسي كما تعاين المتحدثة داخل جمعيتها، إذ تؤكد أن كل الحالات التي تم استقبالها بعد الإعتداء عليها حاولت التخلص من الحياة بمختلف الطرق.

وبالإضافة إلى الجريمة التي ارتكبت في حقه، تقول أديب إنّ الطفل المغتصب كمثال، يلاقي تهميشًا معنويا وماديا من قبل أسرته، التي لا تبالي بترسبات الإعتداء، بل وتتجاوز ذلك لتقوم بتأنيبه ولومه، ولهذا فالمسؤولية حسبها تتحملها الأسر بالدرجة الأولى، ”إذ أنها السبب الأساسي في تفكير الطفل في الإنتحار”، وتعلّل أديب ذلك بسلوكيات الأسر المغربية خاصة اتجاه الفتيات، اللواتي يعانين داخلها من تفضيل الذكر عليهن، مما يولد عُقدًا نفسية كثيرة لدى الإناث وحقدا دفينا لا نعلمه إلا بعد فوات الأوان.

الحل في نظر الحقوقية المهتمة بالطفولة المغربية، هو تربية الأسرة المغربية من جديد، وذلك من أجل أن تتمكن من تربية أجيال جديدة بمنظور جديد، فعدم وعي الأسرة ومعرفتها بأهمية الشق النفسي في تربية الأطفال يترسب عنه مشاكل بالجملة.

وبالإضافة إلى الأسرة، لم تنكر أديب كون الدولة تساهم من جهتها في تأزيم وضعية الأطفال المغاربة، فهي تتحمل مسؤولية كبيرة بإهمالها لمجال الصحة النفسية، وتتمادى في تقصيرها بعدم توفر اختصاصيين نفسيين في المدارس، خاصة بعدما أصبح دور الأسرة المغربية مقتصرًا على الولادة فقط، لتصبح التربية مسؤولية تتشارك فيها كل من الدولة والمجتمع والإعلام.

اجتماعيا: الإنتحار وصمة عار
يتفق التحليل الإجتماعي والنفسي كون انتحار شخص راشد له أسباب متراوحة ما بين نفسية واقتصادية واجتماعية، لكن انتحار طفل مراهق لا يرتبط غالبًا إلا بالأزمات النفسية التي يعيشها والمرتبطة أساسا بفترة المراهقة أو إرهاصاتها الأولى.

وهنا يعتبر يوسف معضور الكاتب المتخصص في القضايا الإجتماعية، أن تلك الفترة العمرية تكون حاسمة في حياة الفرد كمرحلة تشهد مجموعة تحولات على المستوى النفسي والفيزيولوجي، بالإضافة إلى ذلك يمكن اعتبار عوامل أخرى مثل مشاهدة الأفلام الدرامية كمحفزات سلبية على ولادة فكرة الإنتحار لدى الطفل، حيث تكوّن له صورة أوضح حولها من حيث التوقيت و الأداة.

ويعتبر يوسف معضور أن ظاهرة الإنتحار من بين الظواهر الصادمة في المجتمع لارتباطها القوي بمسألة الموت بطريقة غير شرعية، أي قتل نفس بغير حق حسب المنظور الديني، لذلك تبقى وصمة عار على جبين عائلة المنتحر التي تحاول قدر الإمكان إخفاءها والتستر عليها، ومن جهة أخرى تخاف تلك العائلات سماع اللوم و العتاب من طرف المحيط العائلي فيما يخص تقصيرها في مسألة تربية الأبناء والإعتناء بهم.

الإشتغال على التكوين النفسي والتربوي للطفل هو من بين الآليات الأساسية التي ستمكن المجتمع من تفادي تفاقم الظاهرة حسب يوسف معضور، وذلك من خلال العمل على تطوير البرامج التعليمية وكذلك البرامج التلفزية والإذاعية خاصة الموجهة لجمهور عريض، هو ما سيساهم في الحد من ظاهرة انتحار الأطفال، ولتقوية المناعة الفكرية لديهم وتحفيزهم أكثر على البحث عن البدائل الإيجابية حينما تصادفهم بعض المشاكل وتدفعهم إلى البحث عن الخلاص.

وتستمر الظاهرة التي يعتبرها المجتمع وصمة عار، في اجتثاث أرواح أطفال أبرياء لم يدركوا عواقب فعلتهم، ليفارقوا الحياة قبل الشروع فيها، وفي انتظار تحديد المسببات وبلورة آليات الحماية الفعالة أو أساليب للحد منها، يأمل من اكتووا بنارها أن يتم التحرك من أجل مواجهتها.

بعض النصائح لبعض الأسر علّها تنقذ أطفالها من هذه الظاهرة 
ربما من أهم ما يجب على الأسر القيام به هو إيلاء الطفل الإهتمام الكافي والإشباع العاطفي بالتعبير عن الحب والتواصل الجسدي معه، والإستماع إليه، والسماح له بالتعبير عن مشاعره ومناقشتها، و عند قيامه بشيء لا يصح، هنا نستخدام أساليب تعديل السلوك غير العنيفة مع الطفل، والبُعد عن الشتائم وعدم الإنتقاص من قيمته، ومناقشته في أخطائه ومنحه فرصة توضيح موقفه، واستخدام أساليب عقاب تتناسب مع حجم الخطأ الذي ارتكبه وليس مع حجم غضب الأب أو الأم.

في حالة الترمل أو فقدان الوظيفة أو الخلافات الزوجية أو الإنفصال، على الأم و الأب تجنّب الحديث إلى الطفل عن مشاعرهم السلبية، وإشعارهم بأنه مسؤول عنهم ويمكنه مساعدتهم. فالطفل يبقى طفلاً ولا يستطيع تحمّل عبء مشاعر أحد، لأنه لم ينضج انفعالياً بالدرجة الكافية للتعامل مع ألمهم أو تحمّله عنهم. وتعتبر إساءة نفسية كبيرة للطفل تحمّله عبئاً نفسياً لا يطيقه، وتقتل رغبته في الحياة.

مراقبة محتوى ما يشاهده الأطفال في التلفزيون والألعاب الالكترونية والحديث المستمر معه في شأن ما يشاهد ويسمع، الطقل يراقب و لا يترك للعالم الخارجي يربيه و يختار له مساره، الأمر بسيط لا يحتاج إلى عبقرية، و إذا لاحظت الأسر أياً من علامات الإنتحار أو هدّد الطفل بالإنتحار أو أبلغ أحد أصدقائه نيته ذلك، يجب التحدث اليه فوراً، و لا يترك وحده، و من ثم البحث عن اختصاصي ليساعد الأسرة في التعامل مع الموضوع.

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر