مناهضة العنف ضد النساء من المنظور الإسلامي

جريدة طنجة – إعداد : زبيدة بن علي الورياغلي ( العنف ضد النساء ) 
الأربعــاء 11 أبريــل 2018 – 11:31:18

من المؤكد أن المنظومة الإسلامية، في جملتها تزخر بأشكال تمجيد الإنسان وتكريمه وتميزه عن باقي مخلوقات الله في الكون يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: ‭{‬ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا‭}‬ سورة الحجرات 13، وهذا التكريم الإلهي لا يخص قوماً أو جنسا دون آخر، أو فئة دون أخرى، بل هو تكريم للنوع البشري كافة.

وفي قراءة تأملية لتعاليم الإسلام السمحة من خلال النصوص القرآنية والحديثية المحدّدة للإطار العام الأساسي لتفعيل واستثمار مفهوم الكرامة والتكريم والأفضلية المنصوص عليها في هذا المجال ضمن الضوابط الشرعية وأحكامها ومقاصدها، تحقيقا لمبدأ الأمانة العظمى التي حملها الإنسان، وتكليفه بإعمار الأرض والاستخلاف فيها ‭{‬وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة.‭}‬ البقرة 30، وإذا كان الرجل والمرأة اعتبارا من كونهما يمثلان الطرفين المكلفين بهذه المهمة، لم يبق مجال للشك في أن الأصل في خطاب الشرع الموجه لبني آدم يعني الرجل والمرأة على السواء بدأ من التكاليف الشرعية وانتهاء بالحقوق والواجبات.

وبناء على ذلك فإن منهج الإسلام المتكامل لا مكان فيه للتفرقة بين الجنسين، فهو يرفض كل محاولة للتنقيص من حق المرأة وكرامتها واعتبارها الطرف الأضعف في المعادلة، سواء تم ذلك تحت مظلة الإسلام أو باسم أي شعار آخر، فالتنقيص من مكانة المرأة هو مساسٌ بحقوق الإنسان، وإخلال بالتوازن الطبيعي في الحياة، وإلغاء لمبدأ العدل الإلهي المطلق. ‭{‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا اللّه الذي تساءلون به والأرحام، إن اللّه عليكم رقيباً‭}‬ النساء 1. ‭{‬هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها.‭}‬ الأعراف 188. وما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «إنما النساء شقائق الرجال في الأحكام».

من هنا يتجلى بوضوح أن الإسلام حارب كل أنواع التهميش والإقصاء واللامساواة بين الجنسين، وأن ثقافة حقوق الإنسان لها جذور عميقة في التراث الإسلامي ومنظومة متكاملة، قبل أن تظهر في العالم المتقدم إرهاصات ودواعي لوضع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ومن بينها حقوق المرأة والتي تقوم أساسا على القضاء على جميع أشكال التمييز ضدها.

وإذا أردنا تحديد موقف الإسلام من قضية المرأة وحقها الطبيعي في الحياة، فإن هذا البحث سيقودنا حتما إلى التعرف بشكل أعمق وأدق على الوضع المتميز للمرأة في المنظومة التشريعية الإسلامية، فقد صحح الإسلام المفاهيم الخاطئة عن دور المرأة في الحياة الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية، وبؤها المكانة اللائقة بها كزوجة وأم وابنة وأخت، وما وصلت إليه المرأة اليوم في عالمنا العربي والإسلامي من تردي وهوان ودونية وفقد لحقوقها المشروعة إلا نتيجة لفترات زمنية طويلة عاشتها المجتمعات الإسلامية في جهل مطبق بحقيقة الإسلام ومقاصده وأمية شاملة بأمور الدين والدنيا، وتحملت المرأة الوزو الأكبر من جراء تشبث العقل العربي بالتقاليد والأعراف البالية التي امتزجت بالدين واختلطت به وطغت عليه، وبَعُدَت المسافة بين تطبيق الإسلام وبين تعاليمه الأساسية، مما جعل التخلف يُعشَشُ في المجتمعات الإسلامية ويُفرّخ أنماط من السلوكات المخالفة للدين ومن مظاهر التطرف والظلامية البعيدة كل البعد عن سماحة الإسلام وتعاليمه، ويفرز ظواهر اجتماعية غريبة عن المجتمع الإسلامي تتسم بالعدوانية والعنف ضد المرأة، الأمر الذي دفع الغير ليتنمَر علينا بذريعة عدم تطبيقنا لمبادئ حقوق الإنسان كما هي المتعارف عليها دوليا ويعيرنا بتحقير المرأة وعدم إنصافها بالدرجة الأولى والحقيقة غير ذلك فبالرجوع إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين على الخصوص والنساء عامة، وما ورد في أقواله وتصرفاته ووصاياه من إشارات بليغة وتوجيهات عملية في ضرورة تحسين المعاملة مع المرأة والرفق بها ومراعاة كرامتها الإنسانية التي قررتها الشريعة. فقد ورد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «استَوْصُوا بالنساء خيراً…» -رواه البخاري ومسلم- ويتأكد هذا الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» -رواه ابن ماجة- وعن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: «كان رسول اللّه (ص) ألينَ الناس وأكرمَ الناس، وكان رجلا من رجالكم إلا أنه كان بساماً» -رواه ابن سعد- فالرسول الكريم أسس المنهج السليم والأسلوب الصحيح في تعامله مع أهله وزوجاته وضرب للمسلمين المثال والنموذج في ذلك تحقيقا للحق والعدل والمساواة.

وعلى الرغم من حصول المرأة المغربية على العديد من الحقوق في أغلب مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها، استجابة للمطالب التي ناضلت من أجلها الحركات النسائية خلال عقود طويلة، إلا أن الانتقال الفعلي إلى مجتمع الكرامة والمساواة والتكافؤ بينها وبين الرجل لا يزال بعيد المنال، فالأمر لا يتطلب فقط وضع القوانين -رغم فعاليتها- بل يتم بالأساس عبر التربية الدينية والتعليمية، والتنشئة الاجتماعية المبنية على المساواة واحترام الاختلاف، ففي المراحل الأولى لحياة الأطفال وبعدها يتم داخل الأسرة المغربية عادة التفريق في المعاملة بين الذكر والأنثى، الأمر الذي يشعر الأول بالأفضلية والتميز، ويترسخ لديه إحساس بالتفوق والقوة، بحيث تصبح الأنثى في نظره مجرد كائن ثانوي وجد أساساً لخدمته وتلبية مطالبه. ففي مثل هذه المؤسسة الاجتماعية الأولية يتأسس ويتكرس العنف الموجه ضد النساء، والذي ينتج أنماطاً سلوكية عنيفة تمارس عليهن من طرف الرجل، ويتحول إلى عنف مادي ومعنوي الذي يتشكل في صيغ خطيرة تؤدي إلى إعادة إنتاج مظاهر الاستلاب والقهر والتخلف تضيع معها حقوق المرأة والأسرة، لأن العنف إنما هو تعبير عن الإقصاء والتجاهل والتشويه، فالمناداة بنبذ العنف ومناهضته ينبغي أن ينصرف إلى القضاء على جذوره.

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر