فضائل شهر شعبان

جريدة طنجة – عمر محمد قرباش ( شعبان) 

يُعَدّ شهر شعبان من أشهر السنة الهجرية التي لها فضل كبير ، فهو الشهر الذي يَلي شهر رجب ، ويسبق شهر رمضان المبارك حيث يتم التمهيد فيه للصيام والأعمال الصالحة وفعل الطـاعــات، ولوقوع فيه بعض الأحداث الدينية كفرض صيام رمضان في العام الثاني من الهجرة ، كما شهد أيضا تحويل القبلة من بيت المقدس (القدس) إلى البيت الحرام (مكة المكرمة). وقد اختلف المؤرخون في تحديد سبب تسمية شهر شعبان بهذا الإسم ، وذهب كل منهم إلى وضع تفسير مختلف عن تفسير الآخر، إلا أنّ معظمها تجتمع على معنى كلمة شعبان المشتقة من التشعب أي التفرق ، لأن العرب كانت تتشعب فيه للقيام بالغزو والغارات ، بعد امتناعهم عن القتال في شهر رجب ، لأنه من الأشهر الحرم ، كما يرجع البعض سبب تسميته بذلك الاسم لأنّ العرب كانوا بذلك الشهر يتشعّبون فيه للبحث عن الماء .

ويعود فضل شهر شعبان إلى كون صيام أيام منه لها عظيم الأجر والثواب عند الله تعالى ، ففيه ترفع أعمال الإنسان إلى الله عز وجل ، ويغفلُ الكثيرُ من الناسِ عنه ، في حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه تطوعًا أكثر من صيامه في ما سواه من الأشهر، وإن من المقرر عند أهل العلم أنه في الأوقات والأزمان التي يغفل الناس فيها عن العبادة ويتناسونها، تزداد مكانتها، ويعلو شأنها ويكثر أجرها، ومن هذه العبادات التي قد تناساها الناس وغفلوا عنها عبادة الصيام في هذا الشهر، حيث كان عليه الصلاة والسلام يخص شهر شعبان بهذه العبادة ؛ لما ثبت من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ ( يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لِي أَرَاكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَصُومُ فِي غَيْرِهِ؟ ؛ فقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلامُ- »شَهْرُ شَعْبَانَ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ ، تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللهِ ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُرْفَعَ أَعْمَالِي فِيهِ إِلَى اللهِ وَأَنَا صَائِمٌ« ، في هَذَا الحَدِيثُ بَيَّنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَفْلَةَ النَّاسِ – بَلْ أَكْثَرِ النَّاسِ- عَنْ صِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ، وَعَمَّا فِيهِ مِنْ فَضَائِلَ ، وَعَمَّا فِيهِ مِنْ مَزَايَا وَخَصَائِصَ مِمَّا قَدْ لَا يَتَنَبَّهُ لَهُ الْكَثِيرُونَ -بَلْ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ وَيُغْفِلُهُ الْأَكْثَرُونَ- ، وقد أحَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم الصيام في شهر شعبــان لكـــون أعمال العباد ترفع فيه من كل عام ، فأحب أن تُرفـع أعماله إلى الله تعالى وهو صـائـمٌ، ولذلك كان يكثر الصيام فيه لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان (، وفي الحديث الآخر عن عائشة رضي الله عنها قالت ( لم يكنِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُ شهرًا أكثرَ من شَعبانَ ، فإنه كان يصومُ شعبانَ كلَّه). ففي هذين الحديثين بيّن نبيّنا صلى الله عليه وسلم سببَ إكثاره من الصيام في هذا الشهر فذكر سببين اثنين:

أولهما أن شهر شعبان شهرٌ يغفل الناس عنه لوقوعه بين شهرين عظيمين : شهرِ رجب وشهرِ رمضان ، والأوقات التي يغفل فيها الناس عن العبادة تحسن فيها الطاعات وتعظم فيها الحسنات ، فالمؤمن ينبغي له أن يزداد تشميره وحرصُه على الطاعة والعبادة والذكر حين أوقات الغفلة وفي أماكن الغفلة.

والسبب الثاني أن شعبانَ شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى , فأراد أن يرفع عمله وهو صائم ، والصيام في شهر شعبان هو كالتّمرين على صيامِ رمضان ، لئلا يدخل المسلم في صومِ رمضان على مشقّة وكُلفة ، بل يكون قد تمرّن على الصيام واعتادَه ، ووجد بصيام شعبان قبل رمضان حلاوةَ الصيام ولذّته ، فيدخل المسلم في صيام رمضان برغبَة وقوَّة ونشاط .

كما أن للنصف من شعبان ليلة عظيمة ينظر الحق سبحانه وتعالى إلى عباده فيمُنَّ عليهم بالغفران ، وتتنزل عليهم الرحمات ، روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن (. فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا لم يحمل صفتين ، الأولى وهي الشرك وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم. ومنها الشرك الخفي وهو الرياء في الأعمال والأقوال ، فمن كان فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة.

وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين.

ولقد أجمع المسلمون في كافة العصور وفي سائر الأزمان من عهد الصحابة رضوان الله عليهم ، إلى وقتنا هذا على أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة طيبة كريمة فاضلة لها منزلتها عند الله تبارك وتعالى وأنه سبحانه وتعالى قد اختصها بنوع من الكرامة والتفضيل.

فينبغي لكل مؤمن لبيب أن لا يغفل في هذا الشهر، بل يتأهب فيه لاستقبال شهر رمضان بالتطهر من الذنوب والتوبة عما فات وسلف فيما مضى من الأيام ، فيتضرع إلى الله تعالى ويقبل عليه في شهر شعبان ، ولا يسوف ويؤخر ذلك إلى غده ، قال بعض العارفين : شهر رجَب شهر الزرع ، وشهر شعبان شهر السقي ، وشهر رمضان شهر الحصاد ، وقال : مثل شهر رجب كالرّيح ، ومثل شعبان مثل الغيم ، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع في رجب ولم يسق في شعبان ، فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!

مضى رجبٌ ومـا أحسنتَ فيـه وهـذا شهرُ شـعبانَ المبـارَك
فيا من ضيَّـع الأوقـات جهـلاً بِحُرمتهـا أفِق واحـذَر بَوارَك
فسـوف تفـارق اللّـذاتِ قسرا ويُخلي الْموتُ قَهرا منكَ دارَك
تدارَك ما استطعتَ مـن الخطايـا بتوبةِ مخلـصٍ واجعل مـدارَك
على طلبِ السلامـةِ من جحيـمٍ فخَير ذوي الجـرائمِ من تدارَك .

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر