من مَخـارج دُروب السيــاســة الضيقة ..

جريدة طنجة – رشيد امحجور ( السياسة العامّـة) 

ـ في خضم الفتنة كأنّ هناك غيـاب كلي للمنتـخبين و الأحـزاب…
ـ الحكومة لا تتحرك كالعادة إلا عند حدوث الكارثة… 

غـريـب أمـرنـا نحن المغـاربة، نفهم في كل شيء، نفهم في الطب، في الهندسة، في المحاماة، في الفن، في الثقافة، في الدين، في السياسة، في الاقتصاد، في العلوم، و لا يكفينا الادّعـاء بالفهم و التسيُّب في القول، بل نتَجاوز ذلك إلى نعت كل نخبنا بالأميين و السماسرة، و على هذا النهج نسير الكل يتّهم الكل و البَعض يقــزم البعض إلى درجة أنَّ الصغــار أصبَحــوا يفهمـون أكثـر من الكبـــار…، و هم ليسوا في حـاجـة لا إلى الدِّراسة و لا إلى التثقيف، و بهذا زرعنا مُجتَمَعـًا لا يقرأ لأنه يفهم في بَطن أمه كل شيء، مجتمع يَفقهُ في الإحبـاط و التيئيس و التدمير، و لايفهم في التضامُـن و التعـاوُن و التنمية، لنفسح بابنا الواسع لجميع أنواع الاختراقات الداخلية و الخارجية…

لن نكذب على أنفسنا بالقول بأننا أحسن حال من غيرنا، قصدي لا يمكن أن نتهرب من واقعنا وأن لا نزيد كذبا على من لا يفهمون، من لا يستوعب، و أن حتى ما تبقى من الديماغوجية الضعيفة لم تعد تجد زقاقا لها و مكانا للتعبئة، للاستقطاب و للإقناع في زمن انهيار عملة القيم، حيث كل ما يثير زبناء سوق الانتخابات هو الموقع بأية وسيلة كانت…

لن نزيد كذبا على أنفسنا انطلاقا من المؤشرات العامة، من التي نراها و نعيشها في وضعيات أقاليم و جهات المملكة، ابتداء من تلك التي عليها الإجماع حتى من طرف سلطات البلاد، مرورا بالاطلاع على كافة القطاعات الحكومية و إنجازاتها، حيث يوقع الفساد كل التقارير بكل جرأة و بدون أية محاسبة، و حتى لا نتكلم لغة الحسابات و الميزانيات و نسب صرفها في مشاريع تنموية واقعية وذات مردودية، حتى نترك للصمت سيادة المواقف في كل المواقع و الحالات، لكن إلى متى…؟

لن نزيد كذبا على أنفسنا بدون أية محاسبة، لأننا نلعب زمنيا ضد الساعة، ضد الوقت الذي لم يبق لنا، علينا أن نعي بأننا خسرنا و أننا استنفذنا كل الجَـولات المتـــاحة لنا، بل خصصت لنا استدراكات ولم نستغل فرصتها، فقط لأننا كُسالى نستحق الرسوب…، و مع ذلك لا زالت فرصة و ربما فرص أخيرة للتفكير في مخرج معقول، منطقي و إيجابي…، مخطئ من يظن نفسه أنه في إمكانه أن يحقق إجماعا استثنائيا حوله اليوم، مخطئ من يتوهم أنه يمتلك الحقيقة اليوم و مخطئ من يتوهم أنه لا يخطئ و أن من حوله سيبقون إلى الأبد حوله…

يجب خلخلة الفكر، يجب تغيير الإيقاع، يجب تغيير المنهج و يجب إعادة تصنيف الأولويات، حتى لا نجد أنفسنا أمام تقليد ساذج أو محاولات عامة فاشلة من زمان، صحيح منذ زمان و نحن نجرب و لا زلنا عاجزين حتى على تحسين وضعية مواطنينا، وضعية تجر حكوماتنا المتعاقبات إلى تنفيذ صندوق النقد الدولي مرغمة دائما، تجرها إلى مبررات لا متناهية…، مبررات تدفعنا إلى النظر إلى قطاعاتنا الحكومية بمكبر يوضح لنا الأساسي من الثانوي، يعري لنا عن الإسراف و التبذير و الفساد، لأن كل هذه الأمراض تجاوزت حدودها فينا، و فيروساتها دخلت زمن التبييض، وانطلاقا من هذا الكشف المبين و هذه المعاينة الملموسة يجب التلقيح و التحصين بتحديد الأولويات المرتبطة بالمشاريع الآنية والمستقبلية…

لا شك أنَّنـا نتحدّث عن قطـاعــات جميعها ضـروريـة و ذات مـردوديـة اقتصـاديـة، هي تنموية و تُساهم في اقتصاد البلاد مباشرة، لكنَّهـا ليست جميعهــا فـي نفس المستوى، لذا وجب الترتيب و التصنيف والإعلان عن نتائج التسيير و التدبير و عن نتـائـج المَداخيل سواء كانت فلـوس أو نجـاح معنــوي…

إن أي مراجعة للسياسة العامّـة للبـلاد ستفـرض علينــا تصنيف و ترتيب القطاعات الحكومية إلى فئة أولى ذات مردودية اقتصادية مضمـونــة، تستحق كل الدَّعـم و ضمـانــات الثقة باعتبارها مربحة بدون شك، وفئة ثانية مرتبطة بالإصلاحات المستعجلة و بوضعيات المواطنين و أفاق البلاد في علاقاتها بمواردها البشرية بالخصوص، وتخُص التَّعليم بمستـويـاتـه، الصّحـة، الـوظيفة العمومية و الملفات الإجتماعية لِمَا لَهَـا من عـلاقـة مــع التنمية في كافة القطاعات، و بـالخصوص التنمية البشرية كعنصر أساسي و عمـود فقـري للبـلاد، هـو الضـامـن الأساسي للسياسة، للاقتصاد و لكافة القطـاعـات…

ثم تأتي فئات تتبعهما وهي بدورها لها أهميتها و مردوديتها، لكنَّهــا في إمكانهـا أن تعطي الأولوية لشقيقاتها اللّــواتي سيضمن لها تنمية ناجحة بحكم نجاحهن، لنجد أنفسنا ضمن استراتجية أقل تكلفة لأننا لن نستمر و لن نستطيع أبدا تمويل جميع القطاعات دفعة واحدة، لن ندفع البعض على حساب البعض الآخر، لأن الأمر لن يتعلق بالإمكانيات المادية، بل ببرامج و اتفاقيات و شراكات و عمل متواصل لفتح أسواق و تواصل مع العالم، استراتجية تعطي الأولوية لمن سيحقق أولويات للبلاد، لمن سيحقق مكانة للبلاد و لمن سيعود بنتائج جد إيجابية على مجالها و مجالات غيرها و على المجتمع برمته، لتعطي لباقي القطاعات إمكانية للتألق و النجاح المضمون ضمن الإيقاع العام لتنمية بلادنا و مجتمعنا، حيث سيلاحظ الرخاء و الرفاهية و يطمئن المواطن، و يعيد ثقته في السياسة ويعود إليها من أبوابها الواسعة و ليس خلسة من دروبها الضيقة و المخفية حيث توزع الزرقاء في محافل كل انتخابات…

بطبيعة الحال نتحدث عن استراتجية تخول للمجتمع أن يرى بوضوح وتيرة النمو، يتعرف عليها، يتابعها، فيرى أيضا بوضوح تام مواقع القوة و الضعف في جسد وطنه، فيساهم من موقعه، وينخرط في الحياة السياسية أو الثقافية و في غيرهما من موقع اقتناع بما له و ما عليه من واجبات والتزامات المواطنة…
ما عَدا هذا، و حتَّى لا نـزيد كذبــًا على أنفسنا في زمن الديمـاغـوجية الضعيفة، خليني عليك…

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر