الفنون و الفضاءات العمومية: طنجة نموذجا

رشيد أمحجور
يعرف العالم المعاصر اجتهادات مهمة في الموضوع الذي يسمى تارة بالفنون و الفضاءات العامة، تارة بالفنون و المجال و تارة أخرى بفنون الشارع، حيث تلتقي فنون و تتفاعل مع بعضها و مع تدخلات بيئية و هندسية، لتنسج لنا جمالا يستدعينا للاسترخاء و الاستمتاع الفني لمواجهة الصخب والتلوث المرئي و السمعي داخل مدن أصبحت عنيفة باتساخها و صراخها الآني في كل مكان وبالخصوص في شوارعها العامة و فضاءاتها المفتوحة…
و تتوزع هذه الاهتمامات في مدارس، معاهد و كليات الهندسة و الفنون التي و للأسف لا توجد عندنا، علما أننا ننتمي إلى ثقافة فرجات الهواء الطلق و إلى منطقة لا يأخذ فيها فصل الشتاء كامل حقه، لأننا لا نعيش إلا حوالي شهرين من البرد و المطر و نستعجل الأمور بحثا عن الفضاءات المفتوحة و الهواء الطلق، بالإضافة إلى كوننا عشاق الفنون المرئية و الشفاهية المسموعة أكثر من ممارسات أخرى…، هذا علما أننا لم نذخر جهدا في تقديم هذه الاقتراحات على بعض المؤسسات منذ سنين مضت…
كل هذا يصادف عدد هائل من خريجي المعاهد الفنون لدينا من تخصصات متنوعة و مختلفة، سواء في التشكيل، التصميم، المسرح الموسيقى بأنواعها، بالإضافة إلى ما تزخر به بلادنا من ممارسات فرجوية و فنون تقليدية و شعبية في مختلف المجالات، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن إمكانيات تشغيل هؤلاء الشباب من خريجي هذه المؤسسات الذين لا يجدون أين يمكنهم أن يفجروا إبداعاتهم، و الذين لا يجدون أيضا من يفتح لهم مثل هذه الآفاق الرائعة كمجال إبداعي لهم، و كفضاء جمالي للمسؤولين و السلطات المعنية، خاصة و أن الأمر يتعلق بتزيين و تجميل المدينة و الرقي بها إلى مصاف المدن الفاتنة بيئيا و فنيا…
ــ ألا يستحقون هؤلاء الشباب عملا موسميا أو قارا للتدخل في مثل هذه المجالات؟
ــ ألا تستحق مدننا نشاطا في صيغة مباريات فنية فيما بين شبابنا الفنان تنظم سنويا و تعمل على تزيين و تجميل فضاءاتنا؟
ــ أ ليس أمر التكوين في المجالات الفنية عندنا كصب الماء في الرمل، ما دمنا لا نسعى لتشغيل هؤلاء الخريجين، و نمضي في استقطاب الفرق الأجنبية لأنشطتنا…؟
لا شك أننا أمام موضوع بقدر ما هو مغري، هو أيضا حاجة ضرورية لبلادنا برمتها، و حاجة لمدننا بصفة خاصة، لذلك اقترحنا طنجة نموذجا باعتبارها ورشا تنمويا منفتحا على جميع المستويات، باعتبارها في حد ذاتها مشروعا لطنجة الكبرى الذي لم يذخر السيد الوالي محمد اليعقوبي أي جهد من أجل أن يغير ملامحها نحو الأفضل و الأجمل، واستقطاب الاستثمارات إليها من مختلف بقاع العالم، لكن من المؤكد أنه في حاجة إلى دعمنا كمواطنين، ذلك الدعم المختلف على اختصاصات و عمل أطره و موظفيه، في حاجة إلى عين خارجة عن إدارته، إلى أخذ مسافة مع الأمور و إبلاغه بما تحتاجة المدينة من إصلاحات و مراجعات، إلى تخصصات بعيدة عن اختصاصاته هو و من يشتغلون معه و له حتى من المقاولات الخاصة، تلك العيون و تلك العقول التي تشبعت ثقافة و فنا من خلال تكوينها، رؤيتها و أسفارها، لأن المدينة هي مدينتنا جميعا، و جمالها أو قبحها هو مسؤوليتنا جميعا، لهذا و جب علينا المساهمة من موقعنا، من منطلقات تخصصنا و من غيرتنا على بلادنا…
لهذه الأسباب و لأخرى سنتطرق إليها في حلقات لاحقة من هذا الموضوع نقترح التعامل مع الفضاءات العمومية في طنجة تعاملا جديدا، تعاملا فنيا يستقطب اهتمام الساكنة و السياح، و يجعل من مدينة طنجة في المستقبل مرجعا مهما في موضوع الفنون و المجال أو فنون الشارع، سنناقش فيه وضعية الفضاءات، سنقوم بتحليلها و سنقدم اقتراحات في موضوعها…

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر