الانتظارية القاتلة والكلفة الباهظة..

جريدة طنجة ـ محمد العمراني

ما الذي يجري على امتداد ربوع هذا الوطن؟..
انتظارية قاتلة..
غموض يحجب السير، ويجعل الرؤية متعذرة..
قلق يجثم على صدور الجميع، مواطنين ونخب سياسية..

هي صور مركزة تختزل وضعا عاما لا يبشر بالخير، ويكاد يشتم منه رائحة احتقان وغليان شعبي ما فتئ يتصاعد..
هل يمكن القول أن الشعب المغربي بدأ ينفذ صبره؟..
هل فقد المواطنون الثقة في مسار سياسي راهنوا عليه لإنجاز التغيير المنشود، الذي من أجله خرجوا للاحتجاج؟..
كل المؤشرات تؤكد أن المواطنين باتوا على اقتناع بأن مطلب الإصلاح، الذي ظلوا يترقبونه منذ دستور 2011، بما حمله من آمال ورهانات، لن يجد طريقه إلى التحقق..
هناك هوة شاسعة بين مواطن اليوم من جهة، وبين الدولة من جهة ثانية..
المواطن المغربي وصل درجة من الوعي، جعلته يكسر جميع الحواجز النفسية التي كانت تكبله، وتحول دون الجهر بمطالبه، والخروج للاحتجاج على ما يعتبره فسادا واختلالات تعتري أداء مؤسسات الدولة..
بالمقابل، لازالت الدولة تشتغل بمنطق ما قبل دستور 2011، الذي ربط المسؤولية بالمحاسبة، و دَسْتر العديد من المطالب والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث لازال البطء هو السمة الملازمة لأدائها، ولم يعد أحد يجادل في عجزها عن التجاوب مع مطالب و انتظارات المواطنين..
وهذا ما يفسر الهزات الاجتماعية العنيفة، التي بدأت تجد طريقها إلى الشارع خلال الآونة الأخيرة، والتي فضحت عجزا مريعا في قدرة الدولة على تنزيل سياسات عمومية تروم تحسين الأوضاع المعيشية للفئات الشعبية..
فالمواطن المغربي أصبح اليوم، أمام وضعية الهشاشة والتهميش التي يعيشها، مقتنعا أن القنوات التي يفترض أن تنقل مطالبه إلى الدولة قد اختنقت، ولم تعد قادرة على القيام بوظيفتها الطبيعية، وأقصد هنا بشكل مباشر الأحزاب السياسية..
أعطاب بنيوية تتفاقم بشكل يومي..
أزمة اقتصادية خانقة،
بطالة مستفحلة في صفوف الشباب،
فساد مستشر في مفاصل الإدارة،
المحسوبية و الزبونية هما جواز المرور الوحيد بإدارات ومرافق الدولة..
إحساس عارم بالحكرة، وبسيادة قانون الغاب، وباك صاحبي
فيما نخب الأحزاب منفصلة تماما عن الواقع البئيس للمواطن البسيط، هي منشغلة فقط في حروبها الصغيرة، والصراع على الفوز بالمناصب والمكاسب..
ولعل الأداء الحكومي منذ 2011 يؤكد فشل الأحزاب في النهوض بالمهام المنوطة لهم بموجب أحكام الدستور، بل إن رئاسة الحكومة التي منحها دستور 2011 صلاحيات حقيقية، رفضت ممارسة اختصاصاتها، مفضلة الاختباء وراء القصر لتبرير إخفاقها في إيجاد الحلول للمشاكل والتحديات المطروحة..
كل هذا، والدولة عاجزة عن التصدي لها، حيث يبدو واضحا غياب الصرامة في مواجهة هاته الاختلالات، وافتقادها لاستراتيجية واضحة حول مكافحة الفساد الذي ينخر مفاصل الإدارة، والوقوف في وجه اللوبيات التي تبسط سيطرتها على مفاصل الاقتصاد، وتفكيك شبكة الريع، التي تكلف الاقتصاد الوطني ملايير الدراهم، وتعيق كل محاولات بناء نموذج اقتصادي جديد قوامه التوزيع العادل للثروات..
ليس هناك تشخيص أوضح لمكامن الداء من الخطب الملكية الأخيرة، لكن ما يحتاجه المغرب اليوم هو اتخاذ القرارات الحاسمة التي تتطلبها المرحلة والشروع الفوري في تنزيلها على أرض الواقع..
وإلا، فإن أي تأخير ستكون تكلفته باهظة!..

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر