بين الصورتين مسيرة ثلاثة أجيال وتراكمات من “سوء الفهم الكبير”
جريدة طنجة ـ عزيز الكنوني
هاتان الصورتان تفصلهما مسيرة ثلاثة أجيال، وتراكم جبال من أحكام خاطئة ترسبت في عقول البعض عبر الأعوام والسنين، بفعل الاستعمار ودعاته المارقين، ولكن، يربطهما خيط رفيع من الرموز الوطنية، بمفاهيم مختلفة، متباينة، ولكنها تصب جميعها في حب الوطن ورفض الهيمنة الاستعمارية، إن برفع السلاح أو بالمهادنة السياسية.
الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي ينتمي إلى منطقة جُبل أبناؤها على الجهاد ضد الغزاة الأجانب، لتنتظم المقاومة المسلحة بالريف الحديث، مع حركة الشريف أمزيان رحمه الله، 1908 – 1912 لينتقل المشعل إلى المجاهد عبد الكريم الخطابي والد أمير الريف، الذي تولى قيادة الجهاد بعد وفاة والده، وكان له مع الأسبان صولات وجولات توجت بمعركة أنوال المجيدة التي قضى خلالها مجاهدو الريف على جيوش دولتين عظميين ، إسبانيا وفرنسا اللتين هادنهما سلطان فاس بعد أن “فرضا عليه وثيقة الحماية”، وقنع بخمسمائة ألف فرنك فرنسي، كما يقول بعض المؤرخين، مغاربة وفرنسيين، ليتخلى عن الحكم ويعيش “لاجئا فخريا” في فرنسا.
ولو أن السلطان عبد الحفيظ نفى عنه خيانة وطنه عبر قصائد ضمنها بعضا من دواوينه الشهيرة وتعد بالعشرات، لأنه كان عالما شاعرا ضالعا في شتى علوم الكلام والفقه والشريعة إلا أنه ظل في مخيلة الشعب مسؤولا عن “بيع” المغرب للأجانب ، في حين جسدت حركة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي كبرياء المغاربة وبرزت كحركة تحرير وطنية زادها قوة ومناعة واتساعا عبر العالم ، الانتصارات المتوالية لمتطوعي الريف على المستعمر حتى بات جنود الامير الخطابي يهددون قواعد الفرنسيين في فاس، بعد تمركزهم في شفشاون. الأمر الذي أقنع الفرنسيين بضرورة الدفع بجيوشهم وجيوش حلفائهم لنصرة جيش السبانيول المتهالك، في مواجهة أخيرة، اقتنع الأمير أنها ليست في صالح المغاربة، وقرر الاستسلام. والقصة معروفة. إلى أن فك الله أسره بتدبير من الوطنيين المغاربة ودعم من الملك فاروق رحمه الله الذي أكرم وفادته واستضافه وأسرته الكريمة، ويسر له أسباب العيش الكريم وظروف العمل الوطني من أجل تحرير المغرب الكبير.
وحتى يبدد محرر المغرب، الراحل محمد الخامس أكرم الله مثواه سوء الفهم الكبير في ما يخص أمير الجهاد عبد الكريم الخطابي من أجل تحرير المغرب ووحدة أراضيه، فقد قام رحمه الله بزيارة الأمير الخطابي في بيته بالقاهرة خلال زيارته الرسمية لبلاد الكنانة، واجتمع بأبنائه وأهله، وفاتح الأمير في أمر عودته لبلاده . وكانت تلك العودة على وشك أن تتحقق، لولا وفاة محمد الخامس المفاجئة، حيث تقرر تأجيلها اعتبارا لأن العلاقة بين الأمير الخطابي والراحل الحسن الثاني لم تكن على ما يرام، خاصة بعد “الحركة” — بسكون الراء ــ، التي قادها الجيش المغربي لقمع “انتفاضة” الريف سنة 1958- 59، بقيادة محمد الحاج سلام أمزيان الذي كان من بين مطالبه تسريع تعريب التعليم في كل المغرب، وتوسيع عملية الحرث لتشمل الريف واختيار الموظفين المدنيين من السكان المحليين.
وتقول كريمة الأمير الخطابي في استجواب صحافي إن والدها غضب من عملية القمع التي تعرض لها الريف في تلك السنة ورفض التواصل مع الحسن الثاني، الذي، تعترف السيدة عائشة الخطابي بأنه تعامل بلطف، فيما بعد، مع عائلة الخطابي بالقاهرة خاصة في ما يتعلق باسترجاه بعض أملاك عائلة الخطابي التي كانت قد صودرت في إطار تصفية المقاومة الريفية. بل إن الحسن الثاني فاوض العائلة من أجل استرجاع جثة الأمير بعد وفاته رحمهما الله بالقاهرة في 6 فبراير سنة 1963..
ثم إن استقبال جلالة الملك محمد السادس للسيدة عائشة الخطابي خلال الحفل الملكي بمناسبة عيد العرش بطنجة، وفي الظروف التي تعلم، دليل على أن “سوء الفهم الكبير” بين الأسرة المالكة والريف صار من الماضي وأن الرسالة التي كتبها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي وصدرها بعنوان “مليكي” وضعت حدا لما ردده خصوم المغرب وصدقه ضعاف الفهم والإرادة من داخل المغرب، من ادعاءات باطلة حول النوايا الحقيقية لجهاد الخطابي من أجل حرية المغرب واستقلاله ووحدة أراضيه في ظل العرش العلوي المجيد
وقد أثنت السيدة عائشة الخطابي على اهتمام جلالة الملك محمد السادس بمنطقة الريف وقالت إنها لعلى يقين بأن أهل الريف يستوعبون الجهود التي يبذلها جلالة الملك من أجل النهوض بالأوضاع المعيشية للسكان ، وأن حبها لجلالة الملك قد تضاعف اليوم بعد الاستقبال التي حظيت به من طرف العاهل، خلال حفل الاستقبال بقصر مرشان وأعربت عن تفاؤلها حيال المستقبل وقالت ” بإذن الله، ستؤول الأمور إلى أفضل حال وسنظل دائما بلدا واحدا وإخوة على الدوام”.