” أسئلة الشرطة “

جريدة طنجة 

خلقت صورة الشرطي، في معبر سبتة المحتلة، الذي رفض مد يده للسلام على مسؤول اسباني، موضوعا للنقاش في مواقع التواصل الافتراضي بين المغاربة، لتعيد التساؤل مرة أخرى حول طبيعة التكوين الذي يناله رجال الشرطة، و ما يعتبر مسموحا أو في حكم الممنوع بالنسبة إليهم.
في سنوات ما كان يعرف بالرصاص،كوًّنت معظم الفئات و الطبقات المجتمعية صورة قاتمة عن جهاز الشرطة والأمن، صورة أثثتها مشاهد القمع و التنكيل بحقوق الآدميين التي كانت تعرفها مخافر و مفوضيات الشرطة عبر المدن و الأقاليم.

فالانتهاكات التي كانت تنسب للجهاز لم تطل المعارضين للحكم فقط، بل شملت كل من قاده سوء الطالع للوقوع تحت “رحمة” رجال البوليس بمختلف تلاوينهم و تشكيلاتهم.

الشرطي في ذلك العصر، على اختلاف مراتبه، كان على الدوام مثيرا للرهبة و الخوف في نفوس الناس، فهو في النهاية يجسد في أعينهم الذراع القوية لكائن أسطوري كان المغاربة يطلقون عليه اسم “المخزن”،فالبوليسي كان بوسعه،في مخيلة العامة، إنجاز “المعجزات” وتحقيق “الخوارق” فهو قادر على ضبط “الأمن” و ملاحقة كل من سولت له نفسه “التجرؤ” على سلطان “المخزن السعيد أعز الله أمره” و إحضار المتسببين في إقلاق راحة “الدولة”، و هكذا كان بوسع “حارس أمن” بسيط أن يتصرف، في حي غاص بــ”الجماهير الشعبية”، تصرف المالك في ملكه، فالشرطي “البسيط”، رغم فقره و قلة حيلته المادية،كان لا يبدو في مخيلة الناس جزءا فعليا و حقيقيا من هذا الشعب،بل أكبر و أضخم منه.

الآن بعد مرور عقود طويلة على هذا العصر”الذهبي” لجهاز البوليس الذي أتم قبل شهور قليلة عقده الستين، يبدو أن الأحوال قد شرعت في التغير التدريجي نحو الأفضل، و لو أن ذلك يحدث بشكل بطيء.
بعد الصورة القاتمة التي أُخذت عن “البوليس” كجهاز للقمع و آلة رهيبة في يد “المخزن” لممارسة القهر والسلطان،انتقل الناس للعيش في العصر “غير الذهبي” للشرطة، وصار بإمكان الناس مناقشة وتقييم التصرفات العائدة للشرطة، هل هي شرعية و سليمة أم أنها ليست كذلك؟ و هل يعتبر عمل الشرطي خارج المساءلة الأدبية أم أنه قد صار في دائرة المساءلة بمختلف أبعادها.

في الدول الديمقراطية يتمتع طلاب معاهد البوليس بتكوين وتدريب يؤهلهم لممارسة مهامهم بأرصدة معرفية وبدنية ونفسية تلائم الأدوار المسندة لهم، و بعد الالتحاق بالعمل في أسلاك الشرطة يضمن لهم القانون وضعا ملائما لطبيعة عملهم،ماديا و أدبيا، وفوق ذلك كله يتمتعون، في الدول العريقة ديموقراطيا، كباقي المستخدمين و الموظفين، بحقهم في التنظيم النقابي.

في المغرب أفواه رجال البوليس “مكممة” ، فليس بإمكانهم الحديث عن “مضايقات” يتعرضون لها على يد رؤسائهم المباشرين أو عن انتهاكات تطال حقوقهم البشرية في الراحة و المعاملة العادلة فيما يتعلق بالترقية و الحقوق الاجتماعية، فليس بوسعهم الاحتجاج ضد هذه “المضايقات”، لأنها ببساطة غير قابلة للإثبات.

الأدوار التي يقوم بها جهاز الشرطة هي بالفعل أدوار حيوية إلى أقصى الحدود، في تنظيم السير و محاربة الجريمة واستتباب الأمن وحماية استقرار البلد من التهديدات الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى لائحة من المهام العصية على الحصر.

في خطابه بمناسبة احتفال سنوي للشرطة، اعتبر مسؤول رفيع أن تطوير جهاز الأمن يتم عبر الانتقال من اعتباره ” كمرفق إداري إلى الأمن كمؤسسة خدماتية”، ومن كونه “قوة عمومية إلى اعتباره كحق أساسي من حقوق الإنسان”، و أنه “لا سبيل للتمتع بالحقوق والحريات بدون نعمة الأمن، ولا سبيل لإرساء الأمن والاستقرار بدون احترام حقوق الإنسان”.

إنه تطور ملحوظ في الفلسفة المؤطرة لعمل الشرطة، لكنه، رغم ذلك، يحتاج لعمل ميداني يأخذ في الاعتبار ضرورة تدريب رجل الأمن على كيفية التعامل مع حالات وقتية و مفاجئة، كتلك التي كان “شرطي معبر سبتة” موضوعا لها. هل كان تصرفه ملائما و منيا ؟ هل تصرف وفق ما تلقاه من تكوين مسبق ؟ أم هل تصرف بمحض إلهام ؟ و هل هو في حاجة لتدريب في تقنيات و أساليب التواصل ، أم أنه في غنى عنها ؟
هذا هو السؤال. 

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر