قال الملك: كفى !
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( توجيهات خطاب الملك)
•لا شك أنَّ خطاب العرش أسس لمرحلة جديدة في تعامل الدولة مع الشعب وفي سلوك الأحزاب السياسية ودورها في تأطير الشعب وتدبيرالشأن العام، وفي التحفيز على إشاعة ثقافة المسؤولية والمحاسبة، كما أن هذا الخطاب ــ الذي جاء في ظروف استثنائية، يطبعها تذمر واضح من موقف الدولة، إزاء مطالب أساسية للمواطنين، ومن أداء الحكومة في معالجة “الحراكات الشعبية”، التي انطلقت من الحسيمة لتعم معظم جهات المغرب ــ أعاد ترتيب الأدوار بالنسبة للأحزاب والحكومة المسؤولة عن تدبير الشأن العام، ووضع الجميع أمام مسؤولياته الوطنية والدستورية.
إلا أن الخطاب الملكي الذي اعتبر بعض السياسيين أنه كان “قاسيا”، فتح الباب أمام “رواج” بعض الأفكار في ما يخص اختصاصات جلالة الملك ، بين الهيمنة المطلقة والحكم المباشر المطلق، واستمرار ما سميت بجهات “التحكم” أو “المغرب العميق”، في الأحزاب السياسية، بعد مرحلة “البيدقة” التي طبعت العهد السابق، والتي نتجت عنها “بلقنة” المشهد الحزبي ، بما قضى، نهائيا، على أحزاب “الشرعية التاريخية” وساعد على ظهور أحزاب “الويوية” الانبطاحية، التي سخرت مواقعها لتحقيق مصالح ذاتية، أوصلت البلاد إلى حافة “السكتة القلبية” !!!….
ثم إن ما اتفق على تسميته بـ “حراك الريف” وللريف “حراكات” منذ مطلع القرن الماضي في مواجهاته للاستعمار، نيابة عن الأمة، وعجز الحكومة على معالجته بما تقتضيه المرحلة من حكمة وتبصر وبعد نظر، أدى أيضا إلى طفوح أفكار كان يحتاط، سابقا، من الاقتراب منها، أو الإعلان عن تبنيها، والمسؤولية الكاملة في هذا الوضع تعود للأحزاب السياسية التي استهانت، كما يبدو ، بالأمر، وفضلت سياسة “التعنت” والتعصب، مقابل فتح حوار مع “محتجين” في الشارع، يطالبون بالخبز وشيء من الكرامة، حتى ولو لم تكن لهم صفة “المخاطب” الشرعي. فمصلحة الوطن فوق الاعتبارات الشكلية التي يبدو أن بعض “خدام الدولة” يتشبثون بها “فنطزيا” ، بسبب “انعدام روح المسؤولية”، كما ورد في الخطاب الملكي.
الأحزاب السياسية مسؤولة أيضا، المسؤولية الكاملة، على “البلوكاج” الذي أعاق تشكيل الحكومة والذي “تميز” ب”صبيانيات” بعض القادة الحزبيين في تعاملهم مع أمر يحدد مصير أمة، ما دفع إلى المطالبة بفتح تحقيق في هذا “البوكاج” الذي دام نصف سنة، وتمخض عن تشكيل حكومة وصفت بأنها “خرجت من الخيمة، مايلة” وأنها لم تكن في مستوى انتظارات الشعب. حيث أكد جلالة الملك أنه لم يخطر له على البال أن يصل الصراع الحزبي وتصفية الحسابات السياسوية إلى حد الإضرار بمصالح المواطنين.
ومع ذلك، فإنه يجب أن نرفض تلك الأفكار التي يراد “بعثها” من أن للأحزاب أعمارا تحدد داخل “مختبرات” “طوب ـ سوكري”، كما أن لزعماء هذه الأحزاب أدوارا وأقدارا مرسومة لا يجب أن يحيدوا عنها، وإلا طلب منهم مغادرة القطار قبل “نهاية الرحلة” . ربما كان لمثل هذه الأفكار صلة بواقع ما، ولكنه زمن ولى، ولا مكان لمغرب محمد السادس، لمثل هذه السلوكات ، لأن الوضع قد تغير، والعقليات تطورت، ونظرة الناس إلى الحكم وإلى النظام قد نضجت ، وأصبح كل شيء قابلا للنقاش وللحوار وللتداول…..فلا مجال للغموض ولا للتمويه ولا للتعميم !….
ولا شك أن الأحزاب السياسية والحكومة ومن يوصفون ب، “خدام الدولة” قد استوعبوا الخطاب الملكي الذي وصف بأنه كان خطاب مصارحة ومكاشفة وتنبيه بل وتقريع ونقد قوي لمن يوجدون في مواقع المسؤولية ولذا، فقد بادرت الحكومة إلى الإعلان عن “وصفة” خاصة لتحسين أداء الجهاز الإداري وإلى تشكيل لجان للتتبع تنفيذ مضامين خطاب العرش، فيما تستعد الحكومة لتقديم حصيلة 100 يوم الأولى من عمل وزراء العثماني الذي قال هو نفسه بشأنها إنها حصيلة “مهمة”…..
وبينما كنا ننتظر أن تهدأ الأوضاع بالريف، وأن يقع اتخاذ المبادرات التي من شأنها أن تساهم في التهدئة التي لم تحصل بعد، خاصة إثر وفاة المرحوم بكرم الله العتابي، الذي أصيب في ظروف لم تحدد بعد رغم وعود المسؤولين القضائيين بذلك، هاهي المياه تجري، من جديد، تحت الجسر، والمطلوب التصدي لها بالحكمة والنضج والتروي ، فلقد مللنا سماع أخبار الحراك، والمواجهات والدماء،….. ونتوق إلى أخبار التهدية والتعبئة من أجل المغرب الجديد، مغرب الثوابت التي يتشبث بها الشعب المغربي، كل الشعب المغربي، من أقصاه إلى أقصاه، إيمانا بأنها سر استقراره واستمراره وتطوره.
قال الملك: كفي. واتقوا الله في وطنكم !
وهتف الشعب: كفى كفى !!…. وعاش الملك. .