في الحاجة إلى أحزاب تحضى بالمصداقية

جريدة طنجة – محمد العمراني


من أقوى رسائل خطاب العرش الذي ألقاه ملك البلاد، ليلة الذكرى 19 لتوليه العرش، تلك المتعلقة بتجديد نخب الأحزاب السياسية، فقد اعتبر الملك أن الأحزاب وإن كانت تقوم بمجهودات من أجل النهوض بدورها، إلا أنه يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، لأن أبناء اليوم، هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم، كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها.
الملك وضع الأصبع على مكمن العطب الذي يعيق قيام الأحزاب بدورها الدستوري، عندما اعتبر أنها تعاني من أزمة تجديد نخب قادرة على التجاوب مع التحديات المطروحة على جميع المستويات.
فالمنتظر من مختلف الهيآت السياسية والحزبية، التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين، والتفاعل مع الأحداث والتطورات، التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها، بدل تركها تتفاقم، وكأنها غير معنية بما يحدث، والنتيجة تزايد الهوة بينها وبين المواطنين، حيث تترسخ القناعة بلاجدوى هاته الأحزاب.
لا حاجة لإعادة التأكيد أن الاختيار الديمقراطي للمغرب لا رجعة فيه، ودستور المملكة حصر تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات..
ومن هاته الزاوية فإن استلام مقاليد تدبير الشأن العام وفق الهندسة الدستورية يمر حتما عبر الأحزاب السياسية..
نفس الأمر بالنسبة للجماعات المحلية ومجالس الجهات، حيث تتولى النخب التي تختارها الهيئات السياسية مسؤولية تدبير الشأن المحلي، خاصة مع الاختصاصات الواسعة التي منحتها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية..
ومن هذا المنطلق تبرز الأهمية الملقاة على الأحزاب السياسية، فهي دينامو الحياة السياسية بجميع مستوياتها المركزية، و الجهوية، والمحلية.
ولذلك فإن التحديات المطروحة على المغرب اقتصاديا و اجتماعيا تتطلب وجود أحزاب في مستوى المرحلة، وتتوفر على طاقات وكفاءات قادرة على تقديم الإجابات للمشاكل المطروحة..
لكن وأقع الحال يؤكد أن هاته التنظيمات تعيش حالة ترهل مزمنة، و تعاني من اختناق خطير على مستوى تجديد شرايينها..
الأحزاب اليوم أصبحت رهينة في يد قيادات حولتها إلى أصل تجاري، يمَكّنُها من الحصول على الامتيازات والمكاسب لها ولأتباعها..
وهاته المنظومة تسري على جميع المستويات، من المركز إلى أصغر وحدة ترابية..
فالزعيم هو المخاطب لدى الدولة، والمسؤول الجهوي هو المخاطب لدى الوالي، والمسؤول الإقليمي هو المخاطب لدى العامل…
ولذلك تحولت هاته التنظيمات إلى إقطاعيات تحت رحمة من يمسك بالقرار الحزبي، وهذا ما يفسر الحروب التي تندلع داخل هاته التنظيم، من أجل الحفاظ على موقع القرار، ولو أدى الأمر إلى تشتيت تماسك ولحمة الحزب!..
التحولات المتسارعة التي عرفها المجتمع المغربي، بفضل التطور الهائل في وسائل الاتصال، جعل وعي المواطن المغربي يبتعد بمسافات عن مسؤولي الأحزاب السياسية، وهذا ما يفسر العجز المزمن لمسؤوليها عن فهم المواطن المغربي، و استيعات متطلباته، وتقديم الأجوبة للمشاكل التي تعترضه في حياته اليومية…
المغاربة اليوم يحتقرون الأحزاب، لأنها فشلت في الدفاع عنه أمام تغول الإدارة، ودفت رأسها في الرمال أمام استفحال الفساد، والرشوة والمحسوبية..
بل إن العديد من مسؤولي هاته الأحزاب تورط في ممارسات مشينة، تضرب في صميم مصداقية العمل الحزبي..
الأزمة الخانقة التي يعيشها المغرب على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، يستحيل تجاوزها دون وجود أحزاب تضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، أحزاب تجعل اقتراح الحلول للمشاكل المطروحة في صدارة الأولويات،
أحزاب تقطع بصفة نهائية مع عقلية الريع والامتيازات، وتوزيع كعكة المناصب، أحزاب تضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتحسم إلى غير رجعة مع التسلق لمناصب المسؤولية عن طريق الولاء للزعيم..
وفي حالة إصرار قادة الأحزاب على التشبث بالمناصب، والتمكين للأقارب والأتباع، فسننتهي حتما إلى أفلاس شامل للمنظومة الحزبية ببلادنا، وستبقى الدولة وحيدة في مواجهة مطالب الشارع، وهذا سيدفع المغرب نحو المجهول!..

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر