حملة لتحرير كورنيش طنجة والشاطئ البلدي من المستغلين للملك البحري العام
جريدة طنجة ـ عزيز الكنوني
كتبنا وكتب غيرنا ، مرارا، عن الاستغلال الفاحش، لكورنيش طنجة وللشاطئ البلدي، ياحسرة، من طرف كل من هب ودب، في لا مبالاة من جانب السلطات المحلية، وكأن الأمر لا يعني أحدا في هذه “الطيرا”!.
لقد كان شاطئ طنجة الممتد بين الميناء والغندوري على ستة كيلومترات تقريبا جزءا من حياة أهالي هذه المدينة، و فضاء ممتازا يلتقي فيه الكبار والصغار للترويح عن النفس والترفيه عن الخاطر، ومزاولة أنواع الرياضات الممكنة من سباحة وكرة القدم وتينيس، والتمتع برؤية البحر التي تبعث في النفوس شعورا بالراحة والسعادة والاطمئنان.
كما أن شاطئ طنجة البلدي الذي كان يوجد في قمة اهتمامات الإدارة الدولية، كان أيضا يشكل فضاء تثقيفيا بالنسبة للشباب ، تلاميذ وطلبة، حيث كانوا يراجعون دروسهم ويهيئون امتحاناتهم الدراسية ويمارسون أنواعا من الأنشطة الثقافية كالمسرح والموسيقى والمطالعة الجماعية، بمعنى أن الشاطئ كان “دارا للشباب” قبل أن يشهد المغرب افتتاح دور الشباب، غداة الاستقلال .
البحر شكل دوما شريان حياة بالنسبة لطنجة وأهاليها، حتى أن مدبري شؤون العمران بالمدينة خلال الزمن الماضي، كانوا يحتاطون ألا يحجب البناء قدرة الناس على مشاهدة البحر من أي نقطة في المدينة، من الجبل الكبير و مرشان إلى رأس مالاباطا مرورا بالقصبة، وساحة فرنسا وشارع باستور والبلايا، أحياء وشاطئا.
ولا زال أهالي طنجة يذكرون حديقة محطة القطار البديعة، بأحواضها المزينة بأنواع بهية من الأسماك البديعة الأشكال والألوان…والتي كانت تزين كذلك ساحات أخرى بالمدينة كان الأهالي يتعاملون معها وكأنها جزء من الفضاء الداخلي الشخصي للأسر، حماية وصيانة وعناية. كما أن القائمين على تدبير شؤون مدينة طنجة، كانوا ييسرون الكافي من الوسائل المادية والمعنوية لصيانة المظهر الخارجي للمدينة والعناية بالمناطق الخضراء التي تؤثث الفضاء الخارجي للمدينة.
الواجهة البحرية المتوسطية لطنجة كانت تعتبر، ولما فوق قرن من الزمان، “المنطقة الخلفية” للمدينة وفضاء جاذبيتها السياحية والاقتصادية، وجسر تواصلها مع العالم الخارجي، ومن هنا نكتشف العناية بالشاطئ البلدي الذي كان يصنف بين أجمل الشواطئ بالعالم، إلى أن أفسده التلوث الصناعي الذي كان يمكن تفاديه في الوقت المناسب، حيث ملآنا العالم صراخا من أجل معالجة مياه المنطقة الصناعية، وخاصة صناعة الدباغة العصرية ، قبل صرفها في واد مغوغة الذي يصب مباشرة بالشاطئ البلدي.
هذه المقدمة الطويلة التي اعتذر عنها، كانت ضرورية لإدراك أهمية الشاطئ البلدي في حياة أهالي طنجة، يوم كان لهذه المدينة أهال يحبونها ويغيرون عليها ويعتنون بها.
الشاطئ اليوم، شهد تطورا “ماديا” هاما جدا، انتقل به إلى مصاف الشواطئ الكبرى في حوض البحر الأبيض المتوسط، وتعزز بكورنيش جميل لربما هو الثاني بالمغرب بعد كورنيش الدار البيضاء، ليصير إحدى الواجهات السياحية المهمة والأكثر جاذبية لطنجة الجديدة.
إلا أن الانطباع التي ترسخ عند المهتمين، أنه لا أحد يهتم بصيانة هذه المنطقة، وحمايتها من “آليات” الهدم المادي والمعنوي التي تتهددها ، بسبب تصرفات “همجية” لأناس استفادوا من الوضع ليمارسوا أنشطتهم الهدامة في المنطقة، بدءا من احتلال الفضاء العام إلى إقامة “أنشطة” تجارية لا تليق بكورنيش طنجة ولا بسلطاتها ولا بمجالسها المنتخبة. وقد أعطينا في مقالة سابقة أمثلة كثيرة على ذلك.
الملحقة الرابعة تتحرك
واليوم يطلع علينا موقع “المغرب 24” بخبر “سار” مفا ده أن سلطات الملحقة الإدارية الرابعة ، قامت، يوم الثلاثاء 28 غشت 2018 بحملة كبرى من أجل تحرير الملك العمومي البحري بشاطئ طنجة بهدف الحد من الاستغلال العشوائي للشاطئ والكورنيش .
هذه “الحملة” التي قادها قائد الملحقة، والتي شاركت فيها عناصر من القوات المساعدة، مكنت من حجز قنينات خمر، و 220 مظلة شمسية، و 280 من الكراسي وألعاب للأطفال، كما تم هدم ست “براريك” كانت تستعمل لتخزين السلع والأدوات، وللمبيت أيضا، وجميعها في ملك أشخاص متسلطين تصرفوا بطريقة فوضوية في تحد تام للقانون وللسلطات المحلية، حدّ إقامة “محمية” لهم في قلب الشاطئ الذي يترك الانطباع أنه كان “طيرا نولوس”، قبل أن تستيقظ سلطات الملحقة الرابعة، مشكورة.
مصدر من الحملة صرح بأن هذه العملية ليست موسمية وأنها ستستمر ليتمكن المواطنون والزوار من الاستفادة من الملك العمومي البحري الذي استولى عليه بعض الخواص، خارج القانون، وحولوه إلى “كوزا نوسترا” لفائدتهم. كما سبق وأن تعاملوا مع شواطئ كاب سبارتيل والغندوري وشواطئ أخرى. التي تم احتلالها بالكامل، ليمنع غير الراغبين في الاستفادة من “خدمات” المحتلين للملك العام، وبالقوة، من الاستحمام بحرية في فضاءات هذه الشواطئ.
ولو أن حملة الملحقة الرابعة جاءت متأخرة بعض الشئ، إلا أن التجربة جديرة بالاهتمام، خاصة وقد تصلح كخلفية لتحرير أرصفة وسط المدينة من رأس المصلى إلى ساحة 9 أبريل، و شارع باستور ومحمد الخامس والبلايا والكورنيش، شوارع تحولت إلى فضاء تجاري من فئة “اقلب شقلب” تركي ـ صيني، مفتوح على المدينة بما يصحبها من صياح الباعة المزعج بالنسبة لرواد مقاهي البوليفار وعامة المارة. ومن اضطراب في حركة سير السيارات. أما الراجلون، فإن حظهم أسوأ، إذ “يطردهم” الباعة “المفرشون” من الأرصفة، ليضطروا للنزول إلى قارعة الطريق ومواجهة أخطار محققة.
ومع ذلك، لنكن متفائلين، عسى الله أن يهدي خلقه !