بني مكادة التي في خاطري..
جريدة طنجة ـ عبد الله بديع
كان مسقط رأسي في قلب “المدينة”، وتحديدا بأحد أشهر أحياء الصفيح التي نبتت غير بعيد مقر “العمالة” ومؤسسة “قطرة الحليب”، أي بوخشخاش، حيث أُقيمتِ اليوم حديقة فسيحة الأرجاء ومسجد اُختير له من الأسماء “بدر”.
وبعد أشهر معدودة على خروجي إلى هذه الدنيا، قرّر الوالد جدد الله الرحمة والثواب الخروج من تحت حَرّ/ قَرّ سقف تلك البراكة التي آوته سنوات ذوات عدد ووالدتي حفظها الله وشافاها من السقم رفقة إخوتي الآخرين واختار الانتقال إلى طرف قصيّ من بني مكادة، التي نشأتُ وترعرعتُ بين أرجائها الفسيحة والممتدة التي كانت في تلك السنوات الخوالي قليلة السكان… كما كان هذا المجال الجغرافي المسمى بني مكادة، سواء منها القديمة أو “الجديدة”، مقصدا ومحجا لعدد غير قليل من الأسر التي تتقاطر عليه من مختلف الجهات والمناطق، وتحط الرحال بالحومات والأحياء التي تشكل اليوم هذه “البني مكادة”، لا سيما أن سعر الأرض خلال تلك السنوات الخوالي كان يسمح ويشجع على بناء “قبر الحياة”.. ونتيجة لهذه الوضعية، فقد شهدت بني مكادة، بمختلف أحيائها وحوماتها، على امتداد سنوات وعقود متوالية، تناميا لافتا في عدد السكان.
وإذا كانت الجهات المسؤولة في الدولة قد رافقت هذا التنامي اللافت بعدد من المبادرات اللافتة على المستويين الإداري والأمني وغيرهما المستويات الأخرى، التي تظل ذات ارتباط بالحاجيات المتزايدة للسكان القاطنين بهذا المجال الجغرافي؛ فإن هؤلاء يلمسون بكل وضوح أن هذه المبادرات تظل غير كافية، وتشكو من نقائص وعيوب تجعل منها غير ذات جدوى؛ وهو ما يستدعي الإسراع، بكل استعجال، من أجل تدارك هذه النقائص للاستجابة للحاجيات غير المتناهية للسكان، سواء على المستوى الإداري (من قبيل المصالح المختصة بتسليم الشواهد الإدارية والتصديق على الإمضاءات) أم المستوى الأمني (إنجاز التدخلات في كثير من الحالات المستعجلة، ولو أن الكثيرين يشهدون بالتحسن الملموس على هذا المستوى بالمقارنة مع السنوات السابقة).
وفي هذه السطور، نتوقف عند نقطة أساسية ومهمة لفتت اهتمامي خلال الآونة الأخيرة، وأحببت أن أتطرق إليها هنا والآن، باعتباري واحدا من أبناء هذه المنطقة العزيزة.. وتتعلق هذه النقطة بالحاجة الماسة إلى الموارد البشرية في الإدارات العمومية التي تعمل بمختلف الإدارات الموجودة على أرجاء بني مكادة، خاصة في المصالح التابعة للمنطقة الثانية للأمن والملحقات الإدارية.
والحق أنني شاهدتُ، في عز فصل الصيف الذي غادرناه ولم يغادرنا بعد وفي ظل الارتفاع غير المسبوق في درجة الحرارة، أن الموظفين العاملين في كثير من هذه المؤسسات سالفة الذكر يكابدون المشقة والعناء من أجل تلبية الحاجيات المتزايدة للمواطنين ويشتغلون في مكاتب غير مريحة ولا مناسبة وضيقة ولا تتوفر على التهوية الكافية ووسط ملفات متراكمة فوق بعضها بسبب الضيق في المكان والزحام الشديد ولساعات طويلة.
ولا يفوتني، هنا والآن، أن أتوجه بالثناء العطر والشكر الجزيل إلى هؤلاء الموظفين الذين لا يتوانون في التضحية والتفاني في سبيل تقديم خدمات متوالية للمواطنين والمرتفقين، متحدين الظروف الصعبة التي يشتغلون فيها؛ ما ظهر منها وما بطن. ولا أكشف سرا إن ذكرت هنا أن مسؤولا كبيرا بإحدى هذه المؤسسات (وهو، للإشارة، من أبناء طنجة الغيورين والقنوعين الذين تفخر بني مكادة بأن يشغلوا فيها مناصب إدارية) قد صارحني، في حديث وديّ جرى بيني وبينه خلال زيارة إلى هذه المؤسسة لقضاء غرض إداري معتاد، بأن عدد الموظفين العاملين إلى جانبه في مختلف المصالح يظل غير كاف لتلبية الأغراض المتزايدة للمرتفقين؛ إلى درجة أن أحد هؤلاء الموظفين / المجندين لم يشأ أن يغادر المكتب خلال ساعة الغداء، وأصر على أن يبقى مرابطا في المكتب حيث تناول وجبة الغداء التي أحضرتها السيدة زوجته. وأوضح المسؤول ذاته أن هذه الوضعية ناجمة بالدرجة الأولى عن تزايد أعداد السكان بهذه المنطقة واتساع المجال الجغرافي الذي يتبع للنفوذ الترابي للمؤسسة التي يسهر عليها بكل تفان وإخلاص ونكران ذات يشهد عليه القريب قبل البعيد؛ وهو ما يتطلب إعادة النظر في المجال الجغرافي التابع لنفوذه وخلق مؤسسات إدارية مماثلة (من ملحقات إدارة ودوائر أمنية) من أجل امتصاص الضغط من جهة أولى، ومن جهة ثانية تعزيز هذه المؤسسات بالأطر والموارد البشرية الكافية ومدّها بكل ما تحتاج إليه من إمكانات من أجل تقديم خدمة جيدة وسريعة للمواطنين القاطنين بهذه الرقعة الجغرافية من “طنجة الكبرى”…
وفي الختام، آمل صادقا، باعتباري مواطنا غيورا على هذه المدينة ووطني بصفة عامة وباعتباري شابا من شباب بني مكادة الطموحين إلى غد أفضل وأكثر ازدهارا ونماء، أن تجد هذه الصيحة الآذان الصاغية لدى من يهمهم الأمر، وألا تكون صيحة في واد..