فضائح وفظائع صحية-إنسانية مسرحها مستشفيات عمومية ومراكز صحية أماطت عنها اللثام «كاميرات»، أصحابها أناس عاديون وربما موظفون بها، حركتهم «الغيرة» فارتدوا عباءة المحقق والصحفي ليفضحوا ما يروج بداخلها، وليترجموا «بؤس» مرضى هم أقرب إلى «سجناء» وآخرون يفترشون الأرض وهم يئنون في صمت.
بعض تلك المستشفيات أو المراكز الصحية «لفظت خارجا» مرضى بهذه الحجة أو تلك، وأمرتهم بالتوجه نحو مؤسسة إستشفائية أخرى ودون أن ينقلوا على متن سيارات إسعاف عمومية وهم يجترون مرارة «طرد» هو في الأصل «وصمة عار» على قطاع الصحة في المغرب، وتشويه لصورة المغرب في الخارج.
«إهمال» و«إقصاء» و«لامبالاة» يدفع ضريبتها مواطن معلول دفعته الحاجة للجوء إلى المستشفيات العمومية ليبرأ من علة كسحت جسده بعدما عجز عن توفير علاج وعناية لنفسه بإحدى المصحات الخاصة التي تضع راحة المريض فوق كل الإعتبارات لأنه ببساطة «يدفع». فضائح نشر غسيلها على مواقع التواصل الإجتماعي خلال السنوات الأخيرة و لا يزال الوضع على ما هو عليه، وبنقرة أصبع ستتابع فضائح مثبتة بالصوت والصورة وستعرى لديك عورة قطاع «معلول» فمازالت الصحة في المغرب «مريضة» وفي حاجة إلى رعاية كبرى للشفاء من نقص حاد تعانيه على عدة مستويات، وجهود قصوى وبرامج «خارقة» حتى يتحقق حلم كل مغربي في العلاج بكرامة ودون أدنى «حط بإنسانيته» وحتى تختفي صور البؤس التي تعج بها الشبكة العنكبوتية من خلال أشرطة مسجلة تتهم جميعها وزارة الصحة المغربية ب»التقصير» و«الإهمال».
صحة المغاربة التي أضحت «أبخس بضاعة» وأصبحنا نسمع النمل «يعشش» في أجساد البعض منهم.
أن يكون الولوج إلى المستشفيات من أجل إجراء عملية جراحية لاستئصال الزائدة أو «المرارة» ب«الواسطة» فهو أمر لا يمكن استيعابه، وأن تتدخل شخصيات نافذة لتغير من مواعيد العملية أو حتى الإستشارة الطبية، فيما تهمل ملفات مرضى آخرين يتم منحهم مواعيد طويلة الأمد قد تحل عندما يرحلون عن هذه الدنيا فهو أمر «غير مقبول « بالمرة.. وأن تفقد حامل جنينها بسبب الإهمال فهو إحساس مر، وأن يفقد الزوج مولوده وزوجته وتتبدل فرحته حزنا وألما لغياب طبيب فهو وحده يعلم طبيعة ذلك الإحساس. وأن يفقد المريض حياته بسبب غياب قنينة الأوكسجين فهو عار على وزارة تقول إنها حريصة على صحة المغاربة.
جريدة طنجة، من خلال هذا الملف ستسرد بعضا من الحالات المرضية لأناس «قسى» عليهم القدر وابتلوا بأمراض مختلفة جعلتهم يطرقون أبواب المستشفيات العمومية وتدرجوا بها، لكن الإحساس بالإهانة ظل يلازمهم، فيما الحسرة مازالت تمزق قلوب أقارب فقدوا ذويهم بسبب «الإهمال» أمام مراكز صحية أو مستشفيات.. الألم إحساس صعب ومزدوج للمريض فهو يتألم عضويا بمرضه ونفسيا ب«سير وجي» و«جيب وجيب»، يقول قريب أحد المرضى لجريدة طنجة..
حالات كثيرة لا تعد ولا تحصى، ضحاياها مغاربة قصدوا المستشفيات للعلاج فلم يجدوه ووجدوا بدلا عنه معاناة وأشياء أخرى.. وبعدما كانت تتم بعض هذه الفضائح في صمت لصعوبة وصول الخبر وبتسجيل يوثقه لسنوات تغير الحال اليوم وأصبح أسهل ما يكون فضح كل تلك الإختلالات من خلال خدمة الإنترنيت التي هي سيف دو حدين تفضح وتعين المسؤولين على اتخاذ إجراءات زجرية لترتيب جزاءات كل المخالفين وفتح تحقيقات مفصلة لأي حالة إهمال.
وزارة الصحة أقرت بأن كل الأشرطة التي تنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي هي سيف حاد الجانبين، فهو يضعها في قلب الحادث وتفتح تحقيقات بشأنها فيما أنه يشوه صورة المغرب ويرسم صورة سوداوية عن الصحة في البلد لدى الدول الأجنبية، خاصة عندما تغيب عنه الموضوعية والحياد ويكيل اتهامات لموظفين أو مسؤولين قد لا تكون لهم أي يد في ما وقع. كما أكدت وزارة الصحة أن بعض المستشفيات والمراكز الصحية تعاني من اختلالات ومن نقص في الأخلاقيات.
المراكز الصحية .. «أطلال» تعاني نقصا كبيرا في الإمكانيات والأدوية والأطر الطبية
فضائح تعري عورة القطاع الصحي وترسم صورة «سوداء» عن المنتسبين إليه،
قدر مواليد جدد أن تتلقفهم أيادي «غريبة» ليست لممرضات ولا مولدات ولا أطباء، وبأماكن «غريبة» ليست بقاعات توليد، بل إما على متن «طاكسيات» أو «بيكوب» أو في الشارع العام أو على أرصفة عارية ببعض المستوصفات…قد يكون الأمر متعلقا بقضاء وقدر، لكن هل يمكن للقدر أن يجبر أو «يطرد» سيدة حامل من المستوصف الصحي أو المستشفى وهي على وشك الوضع، بحجة أن وقت الوضع لم يحن بعد؟.. وهل للقدر أيادي «تبطش» وترتكب «أخطاء طبية فادحة» قد تكلف الفرد منا حياته أو قد تجعله رهين كرسي متحرك أو طريح الفراش أو..
ولادة في الهواء الطلق
ما كان ليدور في خلد سعيدة (اسم مستعار) أنها ستكون يوما «بطلة» شريط فيديو «فاضح» لوزارة الصحة ستتناقله مواقع التواصل الإجتماعي وهي تؤرخ للحظة ازدياد مولودها بشكل «مهين» فوق رصيف عار بمركز صحي بالبيضاء، كان المشهد قاسيا إلى حد كبير.. بينما كانت في حالة مخاض لوضع جنينها داخل المركز الصحي الحضري، كانت عشرات الأعين تتابع المشهد عن قرب، وهي تصوره مستعملة هواتفها المحمولة.. الحامل لم تكن فوق سرير وثير بقاعة للتوليد وبمساعدة طاقم طبي بل على أرضية «باردة» وبفضاء مفتوح..كانت المرأة خجلى من نفسها وهي أشبه ببطلة في مشهد درامي تجر عليها تلابيبها بعدما كان العشرات يتابعون ما سيحصل، فيما غاب أصحاب البدل البيضاء، وضعت السيدة حملها وحيدة داخل قاعة الإنتظار، سقط المولود أرضا وسط بركة دم ولم تجد الأم ومساعدة من أسرتها مقصا لقطع الحبل السري الذي يربط المولود بأمه، فيما تعالت أصوات مستنكرة لهذه الفضيحة وهي تطالب الأطر الطبية بالتدخل. هذه المشاهد الرهيبة التي نقلتها فيديوهات «غيورين» تعكس حالة البؤس التي يعيشها القطاع الصحي في المغرب. الوزير عندها توعد باتخاذ إجراءات قاسية في حق من ثبت تورطه وفتح تحقيقا في الموضوع، وتشكلت لجنة خاصة، وبالفعل تم حينها توقيف ثلاث طبيبات وممرضة بالمستوصف الصحي المذكور على الرغم من أن الجميع أبعد تهمة التقصير عنه خوفا على منصبه، فيما ستظل هذه الحادثة عالقة في ذهن الأم سترويها حكاية لصغيرها عندما يشتد عضده رغم أنها لن تروقه.
ولادة قرب ضاية ماء
إمرأة أخرى وضعت مولودتها قرب باب مركز صحي بضواحي مدينة الناظور، لم يتم استقبالها بالمركز فقد كان موصد الأبواب، وفق عائلة السيدة الحامل، حيث كشفت عن أنه لم يكن يوجد أي ممرض أو طبيب حينها داخل المركز، المرأة ظلت في حالة مخاض رفقة عائلتها أمام الباب لمدة تزيد عن أربع ساعات، دون أن تجد من يقدم لها يد المساعدة.
تدخلت بعض السيدات من دوار البركانيين وحللن محل مسؤولي المركز وقدمن المساعدة للحامل التي كانت تصرخ من شدة الألم، إذ تم ربط الإتصال بسيارة الإسعاف التي لم تحضر هي الأخرى لنقل الحامل إلى مستشفى بالناظور، مما اضطر إحدى السيدات إلى مساعدة الأم في وضع مولودتها في العراء، ولم تجد ما تنظف به صغيرتها التي كتب لها أن ترى النور في ظلام دامس أمام المستوصف وتحت الصقيع. الكل استنكر حينها هذا الحادث حيث تجمهر العشرات من السكان المجاورين بعد علمهم بالحادث وعبروا عن احتجاجهم أمام مقر المركز الصحي «المغلق» وغياب الطاقم الطبي قبل أن يقرروا الاحتجاج أمام المركز، بعد التنسيق مع الجمعيات الحقوقية فيما بعد، ضدا على هذا الإهمال الذي كاد يعرض أم ووليدتها للموت.
مستوصفات مغلقة
توجهت بها أسرتها صوب أقرب مستوصف صحي من أجل وضع حملها، قاطعة مسافة طويلة من دوار بإمنتانوت نحو المستوصف، غير أنها وجدته «مغلقا» انتظرت قليلا وقررت العودة إلى منزلها. استسلمت الحامل لقدرها واشتد عليها المخاض ووضعت مولودتها في منزلها بالفعل، غير أنها توفيت بعد الولادة مخلفة رضيعتها. أسرتها اعتبرت أنها ضحية إهمال لأن المركز الصحي الذي كان يفترض أن يستقبلها كان مغلقا، كما أنها كانت ضحية غياب سيارة إسعاف لنقلها نحو وجهة أخرى، لأن سيارات الأجرة لا يمكنها أن تقل حاملا على وشك الوضع.
عجوز سبعينية حلت بمركز إمنتانوت الصحي طلبا للعلاج، غير أنها تفاجأت بأنه مغلق، وهو ما دفع أسرتها إلى التوجه بها صوب إحدى العيادات الطبية الخاصة بامنتانوت لأجل فحصها. قبل أن تلج المسنة العيادة توفيت في الشارع.
الصدمة كانت كبيرة لابنها وأفراد من عائلتها. ما حز في نفس أسرتها أنها ظلت لأكثر من ثلاث ساعات ملقاة على الأرض في انتظار سيارة إسعاف لنقل المتوفاة إلى محل سكناها ومن تم إلى متواها الأخير، وذلك رغم اتصال بعض المسؤولين بالمنطقة للتعجيل بالأمر، حيث ظلت الهالكة جثة هامدة في الشارع، وهي صورة اعتبرها الكثير من الجمعويين بالمنطقة «احتقارا لكرامة المتوفية» حتى بعد مماتها. الأسرة فضلت الإنتقال إلى امنتانوت ظنا أنها ستلقى عناية أفضل متجاوزة مركز الصحة بدوار تالمكانت الذي لا يتوفر سوى على ممرض وحيد ويعاني الكثير من الاختلالات. المسنة تم نقلها على دابة حوالي ثلاث ساعات إلى جماعة تمزكدوين، وبعدها نقلت مرة أخرى بواسطة النقل السري إلى إمنتانوت.
حكايات عديدة لضحايا المستشفيات العمومية المغربية من طنجة الى الكويرة، مآسي لا تنتهي و أعذار المسؤولين أقبح من ذلاتهم المتكررة، إلى متى سيظل الحقل الصحي بالمغرب بهذا المستوى المتدني، و إلى متى سنخاف أن نمرض أو نلد حتى لا نلقى نفس مصير اخواننا…