تعرفنـــا، من خلالـك، على أهــم المراحل التي عرفتها انطلاقة 2Mسنة 1989، وتعرفنا أيضا على الاختيارات التحريرية التي تبنتها وقتها.
أريد منك الآن أن تحدثينا عن أهم المهام التي أوكلت لــك بدايــة، ثم بعدها االتطورات التي عرفها مشوارك بهذه القناة، والبصمات الحقيقية التي تركنها في تاريخها ؟
كما سبق أن أشرت لك فمساري بقناة 2M استرسل من 1991 إلى سنة 2014. وعرف منعطفات متعددة، كما عرف أيضا اهتزازات. ولذلك فالإجابة عن سؤالك تأخذني بعيدا في هذه التجربة المميزة من عمري. تتراءى أمامي الآن محطات ومواقف وأحداث ونجاحات وإخفاقات كثيرة. وسأحاول قدر الإمكان أن أستحضر التوالي الزمني والإنساني والفكري والمهني الذي أتصور انه ترك بصمات في ذاكرتي وعواطفي.
خطوتُ خطوتي الأولى بـ 2M مفتتــح سنة 1991، وبدأت كمقدمة أخبار. بعد ذلك، وبحكم تراكم خبرتي في الأداء، انتقلت للعمل في مسؤوليات أخرى تعلقت بإنجاز مختلف أنواع الروبورتاجات الميدانية، إضافة إلى تغطية الأحداث الوطنية والدولية كبرى. ثم، وفي إطار الخبرات الخصبة التي اكتسبتها مع توالي العمل، كلفت بتنشيط برامج رئيسية كبرى حول مواضيع مختلف ذات أهمية كبرى كانت تشغل بال المتابعين لقناتنا. ولست أدري في أي سنة بالضبط ارتقيت وأصبحت رئيسة تحرير. غير أني رغم ذلك كنت بالموازاة أدير، كل أسبوع، من خلال نافذة كان اسمها «وجهة نظر»، مقابلات وحوارات خفيفة مهمة على هامش نشرة الأخبار.
ومع أني أفخر بكل ما أنجزته مع 2M من مهمات، وإذا شئت أن أخصص شيئا استثنائيا بالذكر طبع مساري وجعلني أحظى بصورة قوية لدى المشاهدين والمتابعين، فهو أنني أعددت وقمت بتنشيط البرنامج الشهير«Entretien»، وكان يعتبر برنامجا رئيسيا بـ 2M، ويحقق نسبة مشاهدة عالية جدا.
كان برنامج «Entretien» مجدولا يوم الأحد على الساعة 9 مساء. وكان ضيوفي استثنائيين جدا، يشملون رؤساء دول وحكومات كانوا يزورون المغرب. وأذكر منهم:
ـ نيلسون مانديلا، رئيس دولة جنوب إفريقيا.
ـ ماريو سواريس رئيس البرتغال.
ـ دينيس ساسو نغيسو رئيس جمهورية الكونغو.
ـ بيتر روم الرئيس الروماني.
ـ ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية.
ـ شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ـ ملك موناكو ألبرت.
ـ خوسيه لويس زاباتيرو. رئيس الحكومة الإسبانية.
ـ ليونيل جوسبان، رئيس الوزراء الفرنسي.
بالإضافة إلى شخصيات بارزة في الشؤون المالية والمنظمـات الدوليــة، بما في ذلك الرؤساء: باسكال لامي (OMC)، جون ولفنسون (البنك الدولي)، جاكي سيليبي (الانتربول).
طبعا دون أن أنسى حدثا ذا أهمية قصوى في مساري، وبوأني مكانة عظيمة من حيث قيمة عملي وهو تكليفي بتغطية المجلس الوزاري برئاسة صاحب الجلالة بالقصر الملكي بالرباط.
وطبعا الحدث لم يكن عاديا، فقد كنت الإعلامية الأولى التي يحصل لها شرف دخول القصر الملكي في مهمة عمل. ولا يزال الحدث يزدهر باستمرار في عقلي وقلبي.
من جانب آخر، أظن ، أنني لست في حاجة إلى التذكير بأنني خلال مسيرتي الطويلة، حزت على جوائز ذات قيمة مميزة، وحظيت بتكريمات (15نساء مميزات) عن عملي كصحفية، ولجودة برنامج «Entretien» الخاص بي.
في مارس 2012 ، تميزت أيضاً بين النساء الخمس اللائي ساهمن، بسبب عملهن، في تحرير المرأة وتطور المجتمع المغربي.
في نوفمبر 2012، سلمني رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران، شخصيا «جائزة الصحافة الوطنية الكبرى».
في يونيو 2015، تم انتخابي كعضوة في المرصد الوطني لتعزيز صورة المرأة.
في يوليوز 2018، تم تعييني صحفية فخرية بالمجلس الوطني للصحافة، وهو هيئة دستورية مسؤولة عن التنظيم الذاتي للصحافة.
كل هذا أنا مدينة فيه لحرصي الشديد على أدائي لعملي بكل المسؤولية والمهنية المقترنين باحترام أخلاقيات المهنة، ومدينة فيه أيضا لحب الناس وتقديراتهم وتفاعلهم مع مساري.
شغفي بعملي كان وقودا حقيقيا لكل ما وصلت إليه. هذا ما ساعدني في بناء نفسي، ومنحني القوة والعزيمة على النجاح. تغلبت على مخاوفي وشكوكي. أدركت أنه كان علي إثبات نفسي منذ البداية، لإدراك المفاتيح السرية والسحرية للعمل الصحفي.
كنت في عملي أبذل قصارى جهدي لتحقيق الأفضل في المادة الإعلاميــة، وفي أسلــوب تقديمها. في مختلف أنواع التقارير والتعليقات والمقابلات التي أحرص على أن تكون خالية من العيوب.
كل يوم، كانــت تتبايــن الموضوعــات وأساليبها وفقًا لنوعية الأخبار، وذلك من أجل تحطيم الروتين بالنسبة إلي، والملل بالنسبة للمشاهد. كنت مضطرة إلى مضاعفة انتباهي وذكائي على الدوام. وخلال هذا كله عودت نفسي على أن أقرأ وأعيد قراءة الوثائق المحصلة بين يدي عدة مرات، لفهم جوهر الموضوع بالتفصيل. كنت أدرك أن الانضباط الذهني هو الضامن الاحترازي، والاختبار الأكثر حساسية لهذه المهنة.
خـلال عـرض الأخبـــار التلفزيونية، بغض النظر عن مشاعري الإنسانيــة الطارئة التي تنتابني، كنت أواجه الكاميرا، وأحرص على أن أكون في مزاج جيد ورائق. كنت أتخلى في مخدع الملابس عن مختلف العواطف والأفكار السيئة من يومياتي والتي يمكــن أن يظهر لها أثــر مشوش على أدائي المهني.
عندما كنت أصل إلى الأستوديو، وقبل حوالي نصف ساعة من بث الأخبار التلفزيونية، كنت أتسلح بالثقـة وسرعـة الذكـاء والوضوح اللازم أمام الأفكار. كنــت أتـرك للمهنيـــة والاحترافية يأخذان مكانتهما المستحقة. خلال 26 دقيقة من البث المباشر كنت أهيئ نفسي بالموازاة كي أكون قادرةً أيضاً على التعامل مع المخاطر والمنزلقات المفاجئة. كنت منظمة تنظيما جيدا في عملي، ولم أترك أي فرصة ممكنة للصدفة ، الأمر الذي لم يعرضني لأي مشكلة، لأنني حقا سعيــت إلى حد الهوس للوصول إلى الكمال. بالطبــع، لم أفلــت من الإجهاد والإرهاق، ومن التوتر أيضا، خصوصا مع الثواني الأولى على الهواء. وفي نظري فإن كل هذا كان يمكن التحكم فيه. لكن أثناء مواجهة الكاميرا، الأمر مختلف لأنك قد تواجه أشياء لعينة مثل انفلات بعض التفاصيل، أو ظهور تعابير التلعثم والتردد في أدائك. لكن وفي تحدٍّ كبير مع نفسي، خصوصا وأنا أعلم مسبقا أنني مراقبة من قبل الأنظار المركزة للمشاهدين، كنت أعي خطورة الأمر فأحزم نفسي وأنجح في مهمتي.
ما يقارب 3 سنوات ضمنت أداء موفقا جداً في تقديم الأخبار.
بعد أن أثبتت نفسي كمقدمة للأخبار، التفتت إلى العمل الميداني، الأمر الذي تطلب مني جهدا من الدينامية في التحــرك، ومن الإبداع والحرفية والانفتاح الذهني. تركت أناقة الأستوديوهات وفخامتها، واتجهت إلى عالــم الروبورتاجات الصعب والمثير. مارست مهنتي بالكامل كصحفية ميدانية. وهكذا تم إثراء النشرة الإخبارية بالأحداث الوطنية اليومية، حول مختلف الموضوعات المتعلقة بالاقتصاد وبما هو اجتماعي، أو أنشطة الحكومة. ولم تكن هذه الأخيرة تتصدر الأخبار ما لم تتميز بأهمية خاصة جداً.
كانت 2M حقاً مغامرة رائعة ساهمت في إعادة تشكيل المشهد السياسي، ومهدت الطريق لمفهوم جديد هو الدمقرطة. بالنسبة إلي لم يكن لدي لون سياسي محدد. كنت مثالية بل إنسانية، أتعاطى مع الأمور وفق ما يحقق الأفضل لبدي وقناتي.
وهكذا وعياً مني بهذا الانتقال، والتزاما كاملا منــي بأهميتــه انخرطت في مشــروع المستقبل الرائع هذا.
ويجب أن يقال هنا، أن المعلومات بـ 2M كانت شحيحة، وأننا كنا قليلين جداً، وبوسائل عمل ضعيفة. لكننا صراحة كنا نتحايل على الأمر بطرق فيها فعالية ذاتية أحيانا لإنجاح الحلم. كان لدي اعتقاد مارسته بحزم وهو أنني أمام تلفزيون، بصرف أي نظــر، يجرؤ ويتحدى كي يكون.