لكن المتتبعين لاحظوا أن ثورية الصواف اختفت عن شاشة 2M وهي في أوج عطائها. أسئلة كثيرة طرحت حول هذا الغياب ؟
سأحـــاول، قــدر الإمكاــن، التحلــي بالموضوعية الكاملة للإجابـــة عن هـــذا السؤال، والذي على ما يبــدو أن شريحة عريضة من المتابعين تطرحه. ودعني أقول لك أنني لحد الآن أجد بعض الحرج في خوض حياتي اليومية بشكل اعتيادي، بسبب كثرة المرات التي يستوقفني فيها بالشارع العام العديد من الناس العاديين، إما لإلقاء التحية وأخذ الصور التذكارية، وإما للإعراب عن الحب الإنساني، وإما أيضا للاستفسار عن هذا الغياب.
أولا، هناك سبب موضوعي أدى إلى فتور التعاطي مع أجواء قناة M2، التي حلمنا بها، وأنشأناها بعرق أرواحنا قبل أجسادنا، والتي شكلت، كما سبق أن أشرت لك، انعطافة إعلامية صارخة في المجال البصري المغربي بتوقها الواضح، وبإصرارها القوي على خلق قناة عصرية دينامية شعارها الأكبر دمقرطة الوصول إلى المعلومة. وطبعا كان هذا الحلم يتساير مع الإرادة العامة التي عبرت عنها الدولة المغربية.
كنا نعلم بوعي أن الأيام الجيدة لـ 2M لم تكن لتستمر، فقد كانت بدأت المنافسة الشرسة مع ظهور «البارابول»، مما أدى إلى ارتباك المشهد السمعي البصري المغربي. وقتها كان لزاما على2M مضاعفة جهودها للحفاظ على مكانتها، ولضمان طول عمرها. كان فضــول المغــاربــة، محصورا، حتى لحظتها، في مساحة صغيـرة من الترفيه والمعلومات، وكان هذا الجمهـور قد بدأ يتوجه أكثر نحو قنوات فضائية مقترحة عليه بكل السحر، منحته بتكلفة زهيدة انفتاحا أقوى على العالم، ومنحته أيضا الإحساس بالهروب و الحرية.
فسخ العقــود، وإرجــاع أجهــزة «فك التشفير» وضع القناة أمام صعوبة لا تحسد عليها. طبعا دون أن ننسى عاملا آخر لا يقل تهديدا أدى إلى تفاقــم الوضع المالي لـ Soread 2M، ويتعلق الأمر بالقرصنة المقترنة بالعبقرية وبالبراعة في اختراق أنظمة بث برامج 2M، والعبث بوحدة فك ترميزاتها. وهكذا، ومنطقيا، لم يعد جهاز «فك التشفير» هذا محصورا عند تلك الفئة التي كانت تستطيع تحمل مصاريفه، بل أصبح في متناول جميع الشرائح المجتمعية. بل أيضا أن جهازا واحدا كان قد أصبح يكفي لتغطية متطلبات العديد من المنازل لمتابعة برامج 2M. وبالتدريج بدأت القنــاة تفقد معظـم مشتركيها.
وضع كهذا كان يصيب الإدارة بالحسرة، بالنظر إلى المجهود المضني الذي كنا نبذله للرفع من أداءات قناتنا، وبالنظر إلى الإرادة الجبارة التي كانت تحدونا ونحن نتحلى بقدرة تنافسية رهيبة أمام القنوات العالمية.
ودعني أؤكد أنه، على الرغم من كل هذه المثبطات الخارجة عن إرادتنا، كنا نتسلح يوميا بالعزيمة والإصرار على مواصلة المشوار، بل وكنا نتسلح بالمزيد من الخيال لإغناء تجربة قناتنا وجعلها تشد الأنظار إليها.
أما في ما يتعلق بالجزء الذاتي، فدعني أعرب لك بكل الصدق، أنني لحد الآن أعجز عن تفهم طبيعة هذه الرغبة التي كانت وراء وضع تجربتي وإمكانياتي وخبراتي في منطقة الظل وهي في أوج ديناميتها.
أنت تعلم جيدا أننــي اشتغلت بـ 2M لفترة امتدت من 1991 إلى 2014. غير أن ديناميتي كانت قد أوقفت منذ 2002.
دعنـي أسترجـع معـك بعض المناخات التي بدأنا بها، والتي سبق أن حدثتك عن بعض منها، فقط كي تقف على بعض أوجه التضحيات التي بذلناها، جميعا نحن الرعيل الأول، من صحافيي 2M.
في الأول مــن ديسمبـــر عام 1991، وصلـت إلى مكتــب التحريــر. كانت المباني فارغة عمليا، والبنية هزيلة تقريبا. كان مذيع الأخبار التليفزيونية بمفرده، مشغولًا خلف مكتبه، بالكــاد ألقى نظرة تجاهي، لأنه كان مشغولًا جدًا بسبب مهامــه المتعددة. كان يتنقل ما بين تنشيط برنامج موسيقي إلى عرض الأرصاد الجوية، بعدها يمر إلى عرض الإعلان التجاري لبيع واستخدام وحدات «فك الترميز»، قبل أن يقدم نشرة الأخبار.
في البداية، كانت إدارة الأخبــار تتوفر على عدد قليل جدًا من الصحفيين، واحد منهم تــم تكليفــه بعــرض النشرة، وهذا يعني مدى خطورة الموقــف. يحــدث أن الصحفي توكل إليه لوحده الطبعة كاملة.. يقوم بتركيب الصور، وإنجاز «ميكساج» الموضوعات، ثم العرض. ولحسن الحظ، أن هذا الشاب الذي كان يتمتع بصحة جيدة لم يتغيب ولا مرة واحدة. وطبيعي أن محتوى النشرة كان يفتقر إلى العمـق، في الوقـت الذي لم نكن نتوفر فيه على الوسائل لإنجاز التقارير اللازمة عن مواضيع القرب.
في هذه الظروف وصلت، وكان العمل وقتها شبيها بـ «البريكولاج»ً، بدلاً من أن يكون عملا احترافيا خالصا.
وعلى الرغم من تعزيز البنية بعدد قليل من الصحفيين، ظلت محتويات الأخبار دون توقعاتنا وطموحاتنا. ولكن رغم كل هذا لم نسمح بتثبيطنا مطلقا، فقد بذلنا جهودنا جميعا لتحسين أداء القناة. وما سمح لنا أيضا بالمثابرة هو ذلك الوعد الذي قدمته لنا الإدارة العامة بأن تضع تحت تصرفنا ما يلزم لتحقيق مهمتنا.
هذه هي الأجواء، بما لها وما عليهـــا، التي انطلقنا بها. وأخبرك أننا كنا فخورين بعملنا، وبحلمنا. وفي حلقــات سابقة حدثك عن كل المحطات المشرقة من مشواري، والتي بادرت فيها بكــل الجـرأة والمهنيــة والاحترافية إلى مراكمة منجز إعلامي ذاتي، ليس بالهين، إيمانا مني بالدور الوطني النضالي للإعلامي المهني.
أريد أن يفهــم من كـــلامـي أنني لم أتخل عن دوري وواجبي، وأنني كنت ولا أزال أتوفر على الإرادة والرغبة الشديدتين في خدمة بلادي إعلاميا.
أخيرا أشكر كل قــراء جريدة الشمال العتيدة، واحدا وواحدة على تتبعهم لهذه الحلقات، وأتمنى أن أكون قد أشبعت بعضا من شغفهم وفضولهم في المعرفة حبا في وطنهم، وفي ما يخدم حاضره ومستقبله.