طرح الزلزال الأخير الذي ضرب إقليم الحوز على غرار باقي مناطق المغرب، مُخلفا خسائر بشرية ومادية كبيرة، المزيد من التحديات سواء على ساكنة هذا الإقليم الذي يضم مجموعة من القرى الواقعة في قلب سلسة جبال الأطلس الكبير التي تشهد في الغالب موجات برد وثلوج قاسية خاصة خلال فصل الشتاء، إضافة إلى “أزمة العطش”؛ وأزمة الصحة والتعليم الخ الخ الخ…
إن “منطقة الحوز معروفة بهشاشة بنياتها العمرانية ووعورة المسالك التي تؤدي إلى بعض دواويرها، و الآن تأتي هذه الفاجعة لتمعق من معاناة الساكنة، و لتذكر الدولة بها، باعتبار هذه المنطقة و مناطق عديدة في المغرب مهملة و منسية و لا نجدها أصلا في خارطة البلد.
وبعيدا عما حدث، سوف نسلط الضوء هنا على الواقع المعيشي المرير لسكان المغرب العميق أو ما يعرف بـ”المغرب المنسي” خلف جبال الأطلس الكبير ”حياة بدائية أشبه بحياة سكان الكهوف” تتحوّل إلى مأساة حقيقية، خاصة عند تساقط الأمطار والثلوج في ظل العزلة التي تفرضها الطبيعة القاسية للمنطقة، و ها هو فصل الشتاء على الأبواب و سيعيشون سكان هذه المناطق نفس ما يعيشونه كل سنة منذ الأزل، و لا أحد يفكر فيهم و يحس بوجودهم و بانتمائهم إلى البلد.
مشاهد صادمة لما يعرف بـالمغرب المنسي، حيث ”البأس يستوطن وجوه من يسكنون في هذه المناطق”. حيث أنهم يعيشون على هامش التاريخ.
هي دواوير تشبه بـ”الكوكب الآخر” المعزول عن العالم، لأن هناك مناطق لربما لا يعرف أحد أنها موجودة”.500 عائلة في دواوير نائية نواحي إملشيل على سبيل المثال، “ربما غير معروف أنهم موجودون في المغرب من الأصل”.
أغلب الناس في هذه الدواوير يعتاشون من الرعي، إمكانياتهم محدودة، ومع ذلك يجدون أنفسهم مضطرين لاقتناء مجموعة من المواد الأساسية بأسعار تفوق بكثير الأسعار المتوفرة في المدن، لأن نتيجة وعورة الطرق المؤدية إلى تلك الدواوير تجعل من المواد التي تصل إليها تباع بأضعاف أثمانها.
هذه المناطق بالأطلس و غيرها تعيش ”حياة بدائية والإنسان كذلك” في ظل انعدام أبسط الخدمات الضرورية ”فلا مجال للتعليم ولا للخدمات الطبية ولا للطرقات ولا للمواصلات ولا للمرافق..”. و العديد ممن يقطنون هذه المناطق ”مازالوا يسكنون الكهوف والبعض الآخر يعيشون حياة البدو، حيث يفضلون الترحال بحثا عن منافذ للرزق، فالأوضاع تتأزم في هذه المناطق أكثر فأكثر مع تساقط الثلوج والأمطار، حيث يصبح الوصول إلى القرى المجاورة أمرا مستحيلا بما يجعل من قضاء المصالح الإدارية وغيرها من الضروريات، أشياء شبه مستحيلة.
الوصول إلى ذلك العالم المهمَّش لا يتم إلا عبر مسالك جبلية وعرة، تنتهي بك إلى بيوت طينية، غير مجهزة ولا حتى بشبكات الصرف الصحي.
ويعاني سكان تلك المناطق من نقص في العديد من الخدمات، ومنها الخدمة الطبية، حيث يتسبب ذلك في وفاة نساء أثناء عمليات الولادة، التي تتم أغلبها داخل البيوت، بحسب سكان محليين.
كما تعاني تلك المناطق أيضا من نقص في الخدمات التعليمية، فلا يوجد بتلك القرى إلا المدارس الابتدائية، ما يجعل نسبة التسرب المدرسي مرتفعة بشكل كبير، إذ يمنع الفقر المدقع السكان من استئجار غرف أو شقق لأبنائهم في المدن، التي توجد فيها مدارس إعدادية، ليتمكنوا من متابعة دراستهم
وعلى ما يبدو أن هذه المناطق، التي أطلق عليها الاستعمار الفرنسي عام 1912 اسم ”المغرب غير النافع” لانعدام الثروات فيها، مازال نظام الدولة يراها كذلك، يعاني سكانها الأمرين والتهميش ولم تفعل الحكومات المتعاقبة شيئا على مدار ستة عقود كاملة لترويض الطبيعة القاسية بهذه المناطق وتوفير أدنى الضروريات.
الواقع في المغرب مأساوي، و ما يشهده من تطورات على عديد من الأصعدة لا يعبر على المغرب الحقيقي، مغرب لا يعرف الكثيرون شيئا عن معاناة سكانه في المداشر و الدواوير و القرى التي تعيش على هامش الهامش.
جراء زلزال يوم الجمعة، مجموعة من العائلات فقدت منازلها كما أن مبانٍ كثيرة آيلة للسقوط”، لذلك فالوضع الراهن يتطلب إجراء جرد شمولي للمناطق المتضررة بهدف الوقوف عند الإشكالات التي تطرحها هشاشة البنية التحتية وإقرار تصاميم بناء تتماشى مع الخصوصية القروية والجبلية لهذه المناطق.
الوضعية الحالية تستوجب التدخل بشكل استباقي لتنصيب خيام لإيواء المتضررين وقد بدأت هذه العملية بالفعل، إلا أن “قرب فصل الشتاء، الذي يعرف الإقليم على إثره موجات برد قاسية وتساقطا كثيفا للثلوج، وجب معه العمل على إيواء المتضررين في الوقت الحالي وحمايتهم من هذه العوامل المناخية في انتظار حلول أكثر نجاعة؛ ذلك أن إعادة إعمار المنطقة قد تأخذ وقتا.
الحوادث الأليمة التي عرفها الحوز يجب أن تشكل فرصة لإعادة النظر في السياسات التنموية لهذه المنطقة، فالأولوية بالنسبة للساكنة المنكوبة في الوقت الحالي هي الإيواء، خاصة أن المنطقة تعرف موجات برد قاسية خلال الليل.
و بالنسبة لحملات الضامن الواسعة التي شهدناها بعد الزلزال، ليتها كانت قبل حدوث الفاجعة، لأن تلك المناطق معروفة بمعاناتها الدائمة، فلماذا لم يفكر أثرياء المغرب في مساعدة الدولة على تهيئة المناطق النائية منذ سنوات عدة؟ لماذا تنتظر بعض الجمعيات هذه المناسبات الأليمة لتخرج بمساعدات آنية و حينية ثم تعود حليمة لعادتها القديمة؟؟ لماذا كل هذا الإقصاء من طرف الدولة لهؤلاء المغاربة؟ الأمر لم يعد يحتمل السكوت، فجبال الأطلس و جبال الريف وغيرها تحتاج للتهيئة في أقرب الآجال، تحتاج لتخصيص ميزانية خاصة، تشمل توفير الطرق و الوحدات الصحية و التعليمية ووسائل العيش الضرورية، أما الحليب و البسكويت و الخبز و علب التونة لن تنفع في شيء.
لمياء السلاوي