ثورة تونس في ذكراها الخامسة
جريدة طنجة ( aljazeera)
في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 صفعت شرطية تونسية بائع خضار متجولا اسمه محمد البوعزيزي في مدينة تبعد 260 كيلومترا عن العاصمة، فرد الشاب على الإهانة بإشعال النار في جسمه أمام مبنى المحافظة تعبيرا عن شعور عميق بالإحباط واليأس.
قُدّر لوَسيلة الاحتجاج غير المـــألوفة تلك أن تفعل فعل الشّرارة في هَشيم الغضب الذي راكمته لَدى التونسيين سنوات حُكم الرئيس زين العابدين بن علي الـ24، فقد وجد احتجاج البوعزيزي صداه في اليوم التالي لدى شبان مدينته سيدي بوزيد.
وسرعان ما امتدت نار الاحتجاجات السلمية إلى مدن تونسية أخرى في المحافظة، ومنها إلى تونس العاصمة وصولا إلى فرار بن علي نفسه في 14 يناير/كانون الثاني 2011.
بالمحصلة قدر لثورات الربيع العربي في مصر واليمن وسوريا على التوالي أن تبدأ من ردة فعل بائع الخضار الشاب على الصفعة.
الجزيرة نت تواكب الذكرى الخامسة لثورة تونس بتغطية إخبارية، وهي تضم طائفة من التقارير الميدانية المرسلة من قبل مراسل الموقع، إلى جانب بطاقات معلوماتية التوضيحية عن “زمن بن علي” وأيام الثورة ذاتها التي تتابع المناسبة.
وتضم التغطية أيضا تعريفا بالبوعزيزي وعائلته، وزيارة إلى ذويه بعد خمسة أعوام، ومتابعة لحصاد ثورة تونس سياسيا واجتماعيا بعد خمسة أعوام من انفجارها.
البوعزيزي.. ذكرى الرحيل
ولد محمد البوعزيزي عام 1984 في سيدي بوزيد، وتربى يتيم الأب في أسرة تعاني من ضيق ذات اليد، تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة بقرية سيدي صالح، ولم تسمح ظروفه المادية بإكمال دراسته، واضطر للعمل بائعا متجولا في سن مبكرة لإعالة أسرته التي تتكون من تسعة أفراد، أحدهم معاق.
ذات صباح من شهر ديسمبر/كانون الأول 2010، لم يكن يدور في خلد البوعزيزي حين حاول الانتحار حرقا أمام مقر محافظة سيدي بوزيد أن تندلع ثورة عاصفة تعاطفا معه ضد ما اعتبره أبناء مدينته قمعا من حاكم لم يكتف بازدراء مناطق بعينها من البلاد وتهميشها، بل تجاوز ذلك إلى البطش بشبابها والتنكيل بهم.
وكان البوعزيزي أقدم على حرق نفسه بعد منعه من بيع الخضراوات والغلال على عربته، ورفض المسؤولين المحليين مقابلته حينما أراد رفع شكاية بفادية حامدي الموظفة في البلدية التي اتهمها بصفعه وإهانته أمام الجميع، بتعلة عرض بضاعته في مكان غير مرخص لذلك.
مثّل هذا الحادث الشرارة التي دفعت المئات من الشباب العاطل عن العمل إلى تنظيم مظاهرات واحتجاجات سلمية في مدينة سيدي بوزيد، سرعان ما تحولت في اليوم التالي إلى مواجهات دامية مع قوات الشرطة، وامتدت إلى محافظة القصرين المحاذية ومحافظات أخرى في البلاد.
ومع فشل السلطات في كبح جماح التحركات الاحتجاجية، انتقل الغضب الشعبي إلى مدن ومحافظات ساحلية كبرى أبرزها صفاقس ونابل وتونس العاصمة، وتحول الطوفان بسرعة إلى انفلات أمني كبير وفوضى عارمة تخللتها عمليات سرقة طالت المنشآت العامة والخاصة وعجلت بهروب الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي وسقوط نظامه.
وإذا كان مُشعل الثورة قد فارق الحياة بعد إحراق نفسه بنحو عشرين يوما، فإن ذلك الحادث حوله إلى أيقونة لثورات شعوب انتفضت ضد حكامها في عدد من الدول العربية، وأسقطت -بالإضافة إلى بن علي- نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، ونظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ثم الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح.
يبدو أن رسالة البوعزيزي لم تقبر في مدينته سيدي بوزيد أو بلده تونس فحسب، بل تجاوزتها إلى جميع أنحاء العالم. فبعد أن استعارت بلدان عربية من التونسيين شعار انتفاضتهم الأبرز: “ارحل”، واعتراف أكثر من دولة برمزية ثورة التونسيين، أقامت فرنسا في فبراير/شباط 2011 تمثالا تذكاريا تخليدا للبوعزيزي، وأطلقت اسمه على الساحة التي تقع في الدائرة الرابعة عشرة من العاصمة الفرنسية.
* المصدر –الجزيرة