اللعبة الديمقراطية

جريدة طنجة – م. بديع سوسي (الاحزاب ،الانتخابات ) 

•كَم من هاتف ليس له من هتافه سوى الزعيق والصراخ.
• سجَّلَ التـاريـخُ السياسي لبلادنا نزول زعماء من الافلاك الأخرى.
• وتنزلُ الشُروط كَقطرات المطر. 

يبدو أن الاحزاب المغربية تعيش في عوالم أخرى نجهلها، وأيضا لا نعرف مواقعها ضمن هذه المجموعة الفلكية الكونية… ويبدو أن الجهل وصل بنا إلى حدِّ الاسفاف والعنت ونكران ما هو كائن.

السعي وراد المناصب الوزارية عمل مشروع ويدخل ضمن لعبة كبيرة سموها اللعبة الديمقراطية لأنها تعتمد على صناديق الاقتراع أولاً، وعلى المركز الأول أو الصدارة ثانيا ثم التالي فالتالي… نحن أيضاً نردد هذه الاسطوانة المشروخة التي فقدت بريقها لكثرة استهلاكها، وطول مقامها بين ظهور نادون أن نوفيها حقها أو أن نعتبرها وسيلة لاغاية… عندهم… عند الناس الآخرين مخاضًا لميلاد جديد واحتكاما لقانون العرض والطلب، وتغيير لوجوه وأنماط وسياسات… والمنصب الوزاري ليس مطية ولاغاية، ولكنه سبيلا لتطبيق سياسة ما بناء على رؤية وتحليل وقناعة تزكيها قاعدة جماهيرية واسعة، وقد تختلف معها بعض الفئات ولكنها تترك الأبواب والمنافذ مشرعة لتطبيق ما أملى به المنصب الوزاري…عندهم كذلك.. وعندنا لعبة… فصدق من سماها لعبة ولو كان من فقهاء زماننا… فقهاء القانون الدستوري… ومحللي فترة الكلخ السياسي… وبقدر ما تداولوها، ووضعوها ورفعوها وتملقوها واسنزفوها أصبحت لعبة مبتذلة هجينة، وأحيانا خرقة عل المقاس… لقد أفرزت الصناديق التي احتكموا إليها ما أفرزت… وبلغ مركزا الصدارة من بلغ… ثم جاء التوابع أحدهم تلو الآخر، ومع ذلك ظلت الاسطوانة تدور في الفراغ بدون ضابط ولا ايقاع، واستمر الذين كانوا يقبضون حتى وهم في وضع استثنائي شاذ، وأحس الجميع بانه يعيش على هامش التاريخ وخارج الزمن… وفي المكان الرديئ مادام الزمن رديئا بصوره وأسماءه ومصطلحاته وشخوصه الميكانيزمية الهزلية… وعبر التجمعات الحاشدة أو القليلة العدد تبين بجلاء أن من يتحدثون… ويزعقون… وينتقدون… ويمجدون إنما يغردون خارج السرب… فالناس تحملق بأحداقها الجاحظة، وأشداقها الفارغة… وبسماتها البلهاء دون أن تعي ما يدور فكلهم لهم غيرة على الوطن… وكلهم يُكنُّ محبة زائدة للبلاد… وكلهم متشبث بثوابت الأمة!..

فأين المشكل إذن، فسواء كان فلان أو علان فكلهم في الودّ والتفاني في حب الوطن شرق، وكلهم سواء… دعكم من مصطلحات القواميس السياسية والفقهية المهترئة والتي ما عادت تجد ملاذها وأرضيتها الخصبة للتفريخ والتبييض سوى عند المتخلفين.

لم تعد الحشود دليل الانتماء والولاء والتأييد … فكم من مشارك جاء للفرجة… وكم من هاتف ليس له من هتافه سوى الزعيق والصراخ!.. وكم من حضور مأجور… ومأجور آكل، ومأكول ومُزمرّ و مُطبّل.. في تجمع للحزب الأول في الانتخابات السابقة سئل مشارك زاعق: لماذا تشارك في هذا التجمع؟ وماذا يعني هتافك؟ …. فإجاب بعفوية: لقد قالوا لي قل كذا… فأنا أقول ما قالوا لي أن أقول، وكفى ….وهذه عينة كنت عليها من الشاهدين فهل نعتمد على حشد أوتجمع أغلبة من أشخاص لا يعملون شيئاً، ولا يجدون سوى الهتاف والتصفيق لكل كلمة ينطق بها الزعيم، ويحرصون على تجميل الواجهة بهيا كل مزينة، وأداج منتفخة.. نريد بهذا أن نستخلص نتيجة مفادها أننا فعلاِ نمارس لعبة… لعبة هي كالملهاة… تؤخر ولا تقدم.

وتخلق لنا أشباه زعامات… وتخاريف اصطلاحية لغوية واردة أو مختلفة… وأحتراب بعدد يتسبب في نزيف سياسي، وتشرذم انتخابي، فضلا عن التلهف على الدعم الحكومي، والغريب أن كل الأحزاب تساوت في الجهل السياسي، والتقهقر إلى الوراء، والتراجع إلى درجة ذيلية متدنية… فتحولت الأحزاب التاريخية التقليدية إلى خردة في المزاد العلني… وسجل التاريخ السياسي لبلادنا نزول زعماء من الأفلاك الأخرى دون رصيد ولا ثقل بعد أن توارى الرجال الافذاد وراء السحاب، ويبقى أمام من هم مشاركون في اللعبة أن يصلوا إلى المنصب الوزاري الذي يظل غاية في حدِّ ذاته، فتتخاصم وتتضارب السياسات والأمزجة وتنزل الشروط كقطرات المطر…ويصبح المراد صعب المنال، وبعدها يقولون أنهم يحبون الوطن ويتشبثون بالثوابت، ثم يهتفون ويزعقون وهم يتحركون كالكراكيز مع اللعبة‪…‬ اللعبة الديمقراطية..!.

 

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر