في الحاجة إلى إصلاح إداري حقيقي”

جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( إصلاح إداري ) 

بعد تَـوَعُّــكٍ غير مسبوق رافقَ مسيرة المعنيين بمفاوضات تشكيل الجهاز التنفيذي للدولة، أقدمَ الملك، بحر الأسبوع الذي نودعه، على تعيين أعضاء الحكومة المغربية وفقا لأحكام الدستور، و كان قبل ذلك قد نصَّب رئيس و قضاة المحكمة الدستورية، استعدادا، كما يبدو، للتصدي لمنازعات قد تقوم في المستقبل بين السلطات القائمة.

لقد عبر الناس، من خلال الوسائط المتاحة، عن امتعاضهم العلني من التشكيلة الباهتة للحكومة المعلن تنصيبها، وتساءل فريق كبير منهم عن مدى قدرتها على تحقيق البرامج الانتخابية للأحزاب المشاركة فيها، أم أنها، في واقع الأمر، ليست سوى مجرد إعادة إنتاج لتجارب حكومية سابقة لم تحقق شيئا للوطن و لا لمواطنيه.

لقد أثبتت الأحداث المتلاحقة، التي عرفها المغرب منذ الاستقلال إلى يومنا، أن الحكومات المتعاقبة كانت على الدوام في مركز ضعف و تبعية أمام سلطة المؤسسة الملكية، و انتهى أمر بعضها بالإعفاء حين راودتها أفكار و أحلام تروم تحقيق بعض التوازن مع نفوذ و سلطات القصر، بل إن رئيس الحكومة السابقة لم يجد حرجا في القول إنه و وزراءه ليسو إلا أعوانا للسلطان، الحاكم الأسمى بالمملكة.

حينما يراجع الواحد منا تلك المبادئ و القوانين التي تنظم العمل الحكومي، باعتباره هيئة سياسية، قد ينتبه إلى قاعدة قانونية مستقرة وُضِعَت بمقتضاها الإدارة تحت تصرف الحكومة، ذلك أن البرامج و المخططات التي تضعها السلطة التنفيذية، وبصرف النظر عن مناقشة قيمتها السياسية أو الجدوى منها، تحتاج حتما في تنفيذها لجهاز إداري، فتنفيذ السياسات، كيفما كانت توجهاتها و أهدافها، يقع على الإدارة، و حين نذكر الإدارة، فنحن نعني بذلك أن تتوفر هذه الإدارة، كنظام متكامل، على موارد بشرية خلاقة و مؤهلة تمام التأهيل يسمح لها بنقل البرامج المعدة من حالتها النظرية الجامدة إلى حالتها الواقعية و الفعلية . فهل ذلك متاح في الحالة المغربية؟

لقد أبان الـواقع، الذي يحلو للكثيرين إضافة نعت “المرارة” إليه، أن حالة النخب السياسية المغربية، المُفترض أن تقود المجتمع، تشكو من فقرٍ مَعْرفيٍّ مُدْقِعٍ، و حينما تكون الحالة كذلك، فلا عجبَ أن تُعاني الإدارة من عُضال هذا الداء الأدبي المسمى فقْراً في الكفاءات. إن الإدارة تشكو أزمة خانقة يعكسها التضخم البشري المهول الذي عرفته على امتداد سنوات و عقود، فبدل أن يكون هذا الارتفاع في مواردها البشرية عاملا مساعدا لتطوير أدائها ووظيفتها، أصبح أداة لتكريس التقاليد البالية و التنظير لاعتبار الإدارة مجرد باب للاسترزاق و الغُنْم.

منذ عقود ،دأب أولو القرار بالمغرب على إحداث قطاع حكومي بمسمى وزارة الإصلاح الإداري، أو تحديث الإدارة أو غير ذلك من المسميات، و هذا اعتراف، لا لُبْسَ فيه، بالكساد و البوار الذي لحق الإدارة على امتداد حقب طويلة، لكن الحقيقة أن الإصلاح الأمثل لا يتأتى بمجرد سَنِّ تنظيمات جديدة أو إخراج شرائع حديثة، بل إن أساسه الصلب هو إزاحة تلك النظرة الموغلة في التخلف و المَخْزَنَةِ تجاه الوظائف التي يُفْترض في الإدارة القيامُ بها، إن هذه النظرة الانتهازية قِبَلَ الإدارة، تَعْمَدُ، وِفْقَ تقاليد عُرفية بئيسة، إلى “امتصاص” الكفاءات البشرية النادرة و إغراقها في دوامة الروتين السخيف، بدل أن تستثمر في تكوينهم و الرفع من كفاءتهم و تحديث معارفهم.

إنه وضعٌ بئيس و بائس، ذلك الذي تحياه الإدارة المغربية، و هو وضع يتسبب، لا محالة، في مضاعفات خطيرة تمس بالسوء القطاعات الأساسية للدولة، و قد تجعلها، مع مرور الوقت، في مهب رياح عاصفة. إنه وضع يحتم على “الحكومة الأربعينية” طرح سؤال :” في الحاجة إلى إصلاح إداري حقيقي”…

 

 

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر