نوستالجيا (2) مع يوسف التجاني – المطعم المدرسي

هذه البطاقة المتواضعة التي مازلت أحتفظ بها في حقيبة دلائل المعانات في الأيام الجميلات، تخفي من ورائها ذكريات وآهات مازالت محفورة في ذاكرتي، قررت اقتسامها معكم اليوم.
واسمحوا لي أن أطوف بكم في جنبات قصر الحرمان بدءا بصعوبة المسالك لنيل الوثيقة، وهي بطاقة الاستفادة من وجبات مطعم مدرسة مولاي عبد السلام بن مشيش بالعرائش، تكاد تشبة إلى حد ما بطاقة ” الرميد” الصحية، التي تستدعي أن تمتلك ملامح البِؤس أو تصطنعهم و أن تقسم بالله ثلاثا على عدم اشتغال الأب مع شهود تقاة من التلاميذ كأنك ستستفيذ من الأراضي السلالية.
وفي الحقيقة لم أكن في تلك الحقبة محتاج ماديا لدرجة استحقاقها، الكفاف والعفاف، ومع ذلك شوقي لوجبة يوم الخميس كان لا يوصف ….. كان من أحسن الأيام حيث يوزع “التن في الخبز” بعد نهاية الوجبة المخصصة لذلك اليوم، وكان مما يروى عنه أنه غير التن الذي يباع عند البقالة، استعطفت صديقي ذات يوم لإخراج “شي شداق” من أجل التذوق وفعلا جاء “الشداق” في عز الجوع الذي هو أمهر طباخ على البسيطة، وغرمت في المطعم.
عملت ما في وسعي لنيل البطاقة خلسة من أسرتي فهي لا ترضى بذلك (جوعي فكرشي وعنايتي فراسي) فجمعت الشهود بشروط أدناها اقتسام أول وجبة، وأخرجت أبي من العمل …وأفقرت عائلتي…ووووو . وبعد جهد جهيد . ….. ياللفرحة !!! حصلت عليها…….و كان علي أن أثبت أني محتاج فعلا يعني حضور إلزامي في كل وجبة، لكنه لا يمكن لي ذلك فأنا من عشاق تن الخميس فقط، فكنت أتناول فطوري وأذهب باكرا إلى المطعم وأتظاهر بالأكل في انتظار تبادل الصحن مع من كانت رغبة فيه وكانت هذه العملية رائجة بيننا.
وذات يوم لا حظ الحارس (السي المجدوبي رحمه الله الرجل العظيم والأب الثاني لنا جميعا جعله الله من العتقاء من النار في شهرنا المبارك هذا) مانفعله وبمجرد توزيع الصحون وقف أمام المائدة، وأنا شبعان، ….. فماكان علي إلا أن أكلت “بزز مني وقهرة على نفسي” والله لم أدري ماذا آكلت فلا هو “دشيشة” ولا “سميدة” ولا ولا …… نصف الصحن كان كافيا لإخراج كل ما في البطن (أعزكم الله) وهكذا فضولي حرم علي فطوري، والله بعد أن ازدادت ابنتي وذقت ملعقة من “سيريلاكها” حينئذ وجدت تشبيها نسبيا لذوق الفطور المشؤوم.
وجاء الخميس آآآه منك ياخميس، وكان من الضروري قبل وجبة التن أن تقضي على صحن العدس وأي عدس، فا “المرقة” صافية من ماء شاطىء الدالية وكأن العدس طبخ من غير توابل، واياك وذكر كلمة: حصة أو سوسة أو …… فلن تفكك مع الإدارة لجنة الإنصاف والمصالحة، وبما أن الغاية تبرر الوسيلة أتيت على ما في الصحن ” بالكشايف”…. وكل هذا يهون في سبيل التن الذي حقا كان محبوبا من لذن حتى المعلمين والمعلمات حيث كانوا يلجون المطعم ويخرجون “سندويشات” مملوءة بالتن (وشفتوم بعيني اللي غدي يكلا الدود د أكيد) أما حين جاء دوري وحصلت علي نصيبي، ابتعدت قليلا من الجمع وفتحت الخبز وإذا بفتات صغير من الكنز المعلوم يتوسطه…. مشي بحال المعلمين! هههه لكن وبكل صدق يستحقون كل الخير وممتنون لهم حيث كانوا نعم المعلمين يؤدون واجبهم وزيادة رحم الله من مات منهم وبارك الله في عمر من مازال حيا، …. المهم حددت موقع الفتات وبدأت أتناول من الجوانب جاعلا موطن التن آخر لقمة لكي أستمتع بمضغه الذي كان يأخذ أكثر من وقته لأن عملية البلع تفسد التذوق وكأننا نمتثل لنصائح أخصائي في التغذية عكس ما أفعله الآن في زمن الضغوطات حيث أستغيث بالماء لدفع اللقمة على وجه السرعة ” فتنة مابعدها فتنة” حتى أصبحت هواية السرعة في الأكل أمارسها أحيانا في يوم العطلة.
نقلت كل الوقائع لأسرتي فلم يرقها ما فعلت وعدلت عن الذهاب مرة أخرى وطلبت من أختي أن تغلفها لي فخاطتها على الشكل الذي ترونه وبقيت في أرشيفي إلى أن شاء القدر لأقتسم قصتها مع الأصدقاء وأمنيتي دائما وأبدا أن أرجع بكم للزمن الجمييييييييييييييييييييل بحلوه ومره.

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر