أضحية في زمن الكاميرا: حين تصطدم طقوس المخزن بحداثة الدولة

أضحية في زمن الكاميرا: حين تصطدم طقوس المخزن بحداثة الدولة

أنفو طنجة: أسامة العوامي التيوى

مقدمة

في صباح عيد الأضحى 2025، وبينما ينتظر المغاربة رسائل الأمل والاحتواء من الدولة، استيقظوا على مقاطع فيديو توثق مشهداً غير متوقع: واليا فاس ومراكش يذبحان الأضحية علناً باسم الدولة، خلافاً لتوجيه ملكي صريح بعدم ذبح الأضاحي ذلك العام.

سرعان ما أعقبت الواقعة إقالات عاجلة، وصمت رسمي، وذهول شعبي. لكن ما بدا في ظاهره “خطأ إداري جسيم”، يُخفي في عمقه أزمة بنيوية بين وجهين للدولة المغربية:

•وجهها المخزني، المشبع بالرموز والطقوس.

•ووجهها المؤسسي، الحديث، الرقمي، المنضبط.

1. المخزن كدين دنيوي: الطقس بوصفه سلطة

لم يكن المخزن المغربي يومًا مجرد إدارة، بل منظومة رمزية، تمتد جذورها إلى تصورات دينية واجتماعية تجعل من السلطان ظلًّا لله في الأرض، ومن الأضحية مناسبة لتجديد البيعة بالسكين لا بالكلام.

في هذا السياق:

•فاس تمثل الشرعية العلمية والدينية.

•ومراكش تختزن الهيبة السياسية والعسكرية.

وكان من المتعارف عليه، دون نص، أن والي إحدى هاتين المدينتين يذبح الأضحية في غياب الملك، لا كموظف، بل كـ”خليفة رمزي” يمثل إمارة المؤمنين.

2. حين قرر الملك ألا يُذبح الكبش

في 2025، وللمرة الرابعة فقط في تاريخ الدولة العلوية (بعد 1963، 1981، و1996 زمن الحسن الثاني)، أصدر الملك محمد السادس توجيهاً واضحاً بعدم ذبح الأضاحي، تضامناً مع المواطنين في ظل أزمة غلاء المعيشة ونقص القطيع.

القرار كان جريئاً:

•يمس طقساً راسخاً في المخيال السلطاني.

•ويعلن أن الدولة لم تعد في حاجة إلى رمزية الدم لتبرر وجودها.

3. الصدام: لاهوت الطقس أم فقه الدولة؟

في خرق غير مسبوق، ظهر واليا فاس ومراكش وهما يُضحّيان باسم الدولة، مع حضور رسمي وتوثيق سمعي بصري.

لم يكن فعلهما فردياً، بل فعلاً موقّعًا من التاريخ، وكأنهما يقولان:

“الرمز أقوى من التوجيه، والطقس لا يُلغى بالبلاغ، وإنما بالتأويل الجديد.”

غير أن الدولة لم ترد بتأويل، بل بإقالة صامتة، تاركة للرأي العام أن يُخمّن:

•هل خالف الواليان التعليمات أم التقطا إشارات رمزية غامضة؟

•وهل هناك تباين داخل الدولة بين من يريد تقليص الطقوس ومن يقدّس استمرارها؟

•ولماذا لم تُصدر وزارة الداخلية أي بيان يوضح أو يفسّر أو يتحمّل المسؤولية

4. المتغير الحاسم: الكاميرا، لا الكبش

قد يكون والٍ سابق قد ذبح في السر حين مُنع الذبح زمن الحسن الثاني، لكن لم تكن هناك كاميرات.

أما في 2025، فالفضيحة لم تكن في الذبح ذاته، بل في رغبة المخزن أن يُظهر نفسه وهو يذبح.

فمن يرى، يُحاسب. ومن يُوثّق، يُفضح. وهكذا تحوّلت طقوس الولاء القديمة إلى فخٍ رقمي.

5. من ضحّى بمَن؟ الدولة بالولاة، أم الولاة بالدولة؟

في غياب التوضيح، بدا المشهد كأن الدولة تضحّي بولاةٍ مخلصين للطقس، لا للمنشور.

وتوارى وزير الداخلية خلف الظل، تاركاً “كبشيه” يُذبحان في الساحة العامة، في تكرار صارخ لمفارقة الدولة المعاصرة:

تطلب الولاء للقانون، لكنها لم تهيّئ موظفيها للقطيعة مع المقدس

خاتمة: لا تفسير، إذن لا طقس

ما حدث في 2025 ليس مجرد حادث إداري، بل لحظة مفصلية في علاقة الدولة برمزها. لقد أظهرت أن المغرب يقف اليوم بين نصين:

•نص الطقس، حيث كل فعل يحمل ذاكرة عمرها قرون.

•ونص الدولة، حيث كل مخالفة تُسجّل وتُعاقب وتُحذف.

فهل آن للمغرب أن يكتب إنجيلاً جديداً للرمز؟

أم أن المخزن، كالعنقاء، سيعود من رماده، كل مرة، في شكل جديد؟

Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول اقرأ أكثر